جلس في الحجرة التالية غلام في السادسة عشرة: باهت الوجه، يعلوه الشحوب. . . مكباً على لوحة للرسم وقد انصرف إلى عمله بكل حواسه. بينما جلست على مقربة منه في النافذة فتاتان تحيكان في صمت، وبعد هنيهة اندفع طفل في الثامنة من عمره إلى أمه ودفن رأسه بين ثنايا ردائها. . . وراح يئن ويصيح:(أني جائع يا أماه) فقالت الأم في تهكم وقد أضجرها بنواحه: تناول شيئاً من الملح فسوف تغدو عطشان أيضاً. . .) وراحت تحدث نفسها:(لست أدري ما الذي يفعله إلى الآن، وهو يعلم أني سأقدم إليه اليوم (طبقه المحبوب). لابد أن شيئاً مهماً عاقه عن العودة. . .)
وفي هذه اللحظة دخلت خادمة العائلة العجوز (وابي) تحمل باقة من الزهور وضعتها على المائدة، فسألتها سيدتها في دهشة:
- من ذا الذي بعث بتلك الزهور الجميلة؟!
- أنها من لدني يا سيدتي، وسأهديها إلى سيدي (جوني). . . فاليوم من أدق أيام حياته، ولكني متأكدة من رضائه. . . لقد قال لي عندما تركنا هذا الصباح (انظري يابتي) فهو يناديني (ببتي) لا (وابي) كالآخرين، فهو طيب القلب. . . قال:(انظري يا بتي) إذا عدت بأقدام ثابتة راسخة وفي سترتي زهرة فاعلمي أني نلت ما كنت أطمع إليه، وإذا كانت ساقاي متخاذلتين والزهرة في قبعتي. . . فهذا معناه الفشل والإياب بخفي حنين. . .)
فقالت سيدتها:(ولكنه لم يطلعني على شئ مما تقولين. . . يا إلهي لو أنه نال الإذن الذي يوده! أني لخائفة من رفض طلباته لأني سوف أكون الملومة، فقد كنت أستحسنه وأقف إلى جانبه ضد أبيه. . .)
- أنت مخطئة في زعمك. . فسوف يجاب إلى طلبه وينال بغيته.
- أني لست خائفة من ذلك، فهو لا يهتم بالجيش كاهتمامه بتكوين فرقة موسيقية. . . ولكن. . . ماذا سيؤول إليه أمره أن هو فشل؟ سوف يفقد آماله في العثور على وظيفة في الجيش. . . ويعود إلى البحث عن عمل موسيقي حقير في المطاعم. . . وهذا النوع من الأعمال. . . آه طالما حذره والده من ذلك. . . عن تلك الأعمال شاقة جداً وأفقها ضيق، فواحد في المائة هو الذي ينال مأربه ويرتقي إلى ذروة المجد. . .) فقاطعها يوسف بعد أن ترك لوحة الرسم قائلا: