جعل فريق المعضدين يصفقون ويصفرون. . . وقوبل لحن المقدمة بشيء من الفتور وتصفيق ضئيل خلو من حرارة الإعجاب. . .
وجلست في المطبخ - المجاور للصالة - امرأة تحاول أن تسيطر على أعصابها التي شملها الاضطراب. . . فقالت (وابي) العجوز - وكانت جالسة بالقرب منها:(ما هذه إلا المقدمة. . . ولحننا هو التالي. . .)
وكانوا إذ ذاك قد بدءوا في عزفه. . . وانتهى لحن (الأمر بالمعروف). . . انقضت لحظة من الصمت. . . لحظتان. . . ثلاث، ثم إذا بعاصفة من التصفيق ترج أنحاء الصالة. . . وكان ذلك باعثاً على تورد وجنتي الأم بعد أن علاهما الشحوب. . . كانت تقدر مبلغ الإخلاص الذي يقابل به الجمهور لحن ولدها. . . وفجأة سكنت الضجة وأعيد عزف اللحن من جديد وعادت عاصفة التصفيق أشد من الأولى. . . كانت تزيد كلما أعيد عزف اللحن حتى لكان ليس لها نهاية. . .
جلست الأم في مكانها الخفي - وقد ارتضته لنفسها - ترتجف من الابتهاج. . . وأبكمها الفرح فعجزت عن النطق. . . وكانت نيران المطبخ تلقي على وجهها ظلالاً أرجوانية. . . وبغتة اندفع (جوني) إلى ذراعيها واحتضنته، وتدفقت دموع الفرح على وجنتيها في انفعال ظاهر. . . فصاح جوني: -
أسمعت يا أماه؟! لقد كنا على حق دائماً. . . والآن يجب أن نعمل على إغاظة ذلك الرحيل العجوز. . . والدي. . .)
واندفع خارجاً. . . وبدئ في عزف لحن (لوريا ولس) الذي ألفه والده. . . فثار الجمهور وأخذ يصيح ويطلب إعادة لحن (الأمر بالمعروف) فكان هذا فوزاً له. . . وانتصاراً على أبيه. وتنهدت (وابي) العجوز وأغرورقت عيناها بالدموع وقالت (آه. . . لو يرتد لي شبابي وأعود جميلة. . . لقبلت سيدي جوني مراراً، وتكراراً. . .)
وفي طريق العودة في عربتهم. . . مالت الأم على ولدها وطبعت على جبينه قبلة مترعة بالحنان. . . وقالت:
جوني. . . إن هذه ساعة حزني وسعادتي التي لا تقدر يا بنى. . . إني لأشعر كأني ولدتك من جديد. . .)