أن لا علاقة لها بالكتاب المنقود. على أنها كانت في نظر سانت بوف أهم ما يساعد على فهم الكتاب علاوة على فهم المؤلف نفسه. وكانت هذه الفكرة هي الباعثة لسانت بوف على كتابة عشرات الصور لمختلف الكتاب والأدباء. وقد كتب سانت بوف يشرح فكرته في تلك فقال (إنني احب دائماً الرسائل والأحاديث والأفكار وكل الدقائق التي تعين على فهم أخلاق الكاتب. وبكلمة واحدة احب دراسة تراجم كبار الكاتب. ولقد احبس نفسي خمسة عشر يوماً محاطاً بكتب شاعر أو فيلسوف مشهور توفي فأدرسه وأعيد قراءة ما قرأته وأسائل نفسي في هدوء وروية، وعندما انتهي من دراستي أرى أن هذه الدراسة قد أوصلتني في النهاية إلى كشف عوالم خفية فأجد أن ذلك الكاتب الغامض الذي كان في البداية لا يختلف في نظري عن نوعه من الكتاب يضم من السجايا الفنية الخاصة به ما لا يمكن تجاهله ونسيانه).
ولقد ظهرت هذه الطريقة الجديدة في النقد التي اتبعها سانت بوف ظهوراً قوياً في مجموعته الشهيرة (صور أدبية)
على أن هذا النوع من الدراسة لنفسية الكتاب وأخلاقهم كان يعتبر في نظر سانت بوف سطحياً لا يكفي لكي يكون النقد كاملاً غير منقوص، لذا كان يرى ضرورة التوسع في دراسة الكاتب وإتمام ما كان يعتبره نقصاً بإضافة ما سماه (التاريخ الطبيعي للأفكار) وذلك أن بين (أفكار) الكتاب نواحي من التشابه وأخرى من الاختلاف، فواجب النقد أن يفتش عن هذه النواحي حتى يعثر عليها ويميزها ويبين من خلالها خصائص كل كاتب واوجه التشابه والاختلاف في الأفكار بينه وبين غيره من الكتاب الذين يكونون معه أسرة فكرية واحدة. وقد لجأ سانت بوف لتحقيق ذلك إلى طريقة ما ترجمة حياة الكاتب تحت ضوء الملاحظة الصادقة والتحليل الدقيق وذلك للوصول إلى أغوار فكرة، واكتشاف (الفروق العظيمة الطبيعية) - كما يقول سانت بوف - بين العقول المختلفة.
ولقد تضمنت مجموعتاه الخالدتان التراجم الفكرية الفائقة التي تعتبر بما احتوته من الأفكار الغزيرة، والذوق السليم، خير نموذج لفن النقد الحديث.