راعتك رائعة البياض بعارضي ... ولو إنها الأولى لراع الأسحم
ولقد رأيت الحادثات فلا أرى ... يققاً يميت ولا سواداً يعصم
وقال الأبيوردي:
لكِ من غليل صبابتي ما أضمر ... وأسر من ألم الغرام وأظهر
وتذكري زمن العذَيب يشفني ... والوجد ممنوّ به المتذكر
إذ لمتي سحماء مد على النقا ... أظلالها ورق الشباب الأخضر
وقد ذكرني بيت ابن العميد وقوله فيه:(بسحم سود) بنكتة مهمة لغوية في (المخصص) وهي هذه:
فأما قوله تعالى: ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. . . فلا أعلم لأحد فيه مزيداً على أن سماه تأكيداً؛ والتأكيد ساذجاً غير مزيد عليه لا يقر عين الفهم بالنظر إليه، بل هو فرع داني الجناة، وشرط يدركه طالبه بالتؤدة والأناة، فنحن نلتمس له طبيعة تمده، ومعنى يجلو من صدته فيسجده، إلا أن تدفع داعية الضرورة، إلى أن يكون بخلاف هذه الصورة. فأما ونحن نجد عن ذلك منتدحاً عريضاً، ومنفسحاً أريضاً، فإنا لا نفرغه، من فائدة تمرئه وتسوغه. وهذا التأكيد الذي في هذه الآية مما يقبل التعليل، ويسع التأويل، فلا تقبلنه ساذجاً، ولا تستعملنه خارجاً، فأقول: إن في هذه الآية ثلاثة أنواع من اللون محمولة بالاشتقاق على موضوعاتها، وهو الأبيض والأحمر والأسود، ولهذه الأنواع الثلاثة في هذه اللسان العربية أسماء مستعملة قريبة، وأخر بالإضافة إليها وحشية غريبة، لا تدور في اللغة مدارها، ولا تستمر استمرارها، ألا ترى أن قولنا أبيض وأحمر وأسود من اللفظ المشهور، وقد تداولته ألسنة الجمهور، وقولنا في الأبيض ناصع، وفي الأحمر قمد، وفي الأسود غربيب. من الأفراد التي رفعت عن الابتذال، وأودعت صواناً في قلة الاستعمال، مع إنك لا تجدها في غالب الأمر إلا تابعة للألفاظ المشهورة، يقولون أبيض ناصع وأحمر قمد وأسود غربيب، وإن كان قد يستعمل مفرداً كقوله:(بالحق الذي هو ناصع) و (يعصر منها ملاحي وغربيب) و (يقمد كسائل الجريال) لكنني إنما قلت بالأغلب والأذهب. فلما ذكر تعالى هذين النوعين المشتقين بالاسمين المشهورين الأبيض والأحمر،