وتأتي عقب الشفقة فضيلة الشكر على المعروف، فيقول عنها:(شكر الكثرة من الناس إلا رغبة خفية في الحصول على معروف اكبر من الذي حصلوا عليه)(موعظة رقم ٢٩٨).
ومن الطيبة والشفقة المتبادلة والشكر تنتج الصداقة:(إننا لا نستطيع أن نحب شيئاً لا تربطنا به اصرة، ولا نتبع غير ذوقنا ولذتنا لما نفضل أصدقاءنا على أنفسنا. وهذا التفضيل فقط هو الذي يجعل الصداقة حقة كاملة)(موعظة رقم ٨١)، أي أننا ننسى مصلحتنا الذاتية في سبيل أصدقائنا ونجد في هذا النسيان لذة. وهو يذكر هذه الكلمة للحط من قيمة هذه العاطفة، ولكنها لذة فيها نبل وبطولة.
ولم يلبث أن أنكر وجود الصداقة التي توهب ولا تباع، فقال:(الصلح مع أعدائنا ليس إلا رغبة في إصلاح حالنا، والملل الناشئ من عناء الحرب، والخوف من وقوع حادث سيئ)(موعظة رقم ٨٢). وهذه الفكرة مأتاها الحرب الأهلية التي سبق الكلام عنها. فان لاروشفوكو الذي دفعته مصلحته الذاتية إلى الاشتراك في هذه الحرب، رغب في الصلح بعد أن جرح رأسه وهلك زرعه ودمر قصره، خشية أن تصيبه ملمات أخرى.
وكانت الملكة ان دوتريش أثناء هذه الحرب لا تثق بمن يلتفون حولها لأنها لم ترض طموحهم، وتوجس منهم خيفة كما يدل على ذلك قولها:(متمناي أن يبقي الليل في مجثمه أبداً لأني لا أرى في النهار إلا أناساً يدأبون على خيانتي). فالبلاط والثائرون لم يلجأوا إلى الصلح إلا فراراً من الملل الناشئ من عناء الحرب، وخوفاً من وقوع حوادث أليمة، ورغبة في إصلاح حالهم). ثم قال في موضع آخر:(إن ما يسميه الناس صداقة ليس إلا شركة، أو إدارة وتدبير مصالح ذاتية متبادلة، أو تبادل ضروب المعروف. وهي على الجملة ليست إلا تجارة يتطلع حب الذات فيها دائماً إلى شيء يربحه)(موعظة رقم ٨٣). (إننا نقنع أنفسنا في اكثر الأحايين بأننا نحب من هم اكثر منا قوة واشد بأسا. وفي الحق أن المنفعة هي فقط التي تنتج صداقتنا؛ ونمنحهم هذه الصداقة ابتغاء خير نروم الحصول عليه منهم، لا في سبيل خير نريد أن نهديه إليهم)(موعظة رقم ٨٥).