للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأكمله. ثم عاود رودان حديثه قائلا:

إني لأعطي هذه الفكرة أي مهندس يستطيع أن يخرجها إلى حيز التنفيذ).

وقريبا منا قام التمثال النصفي لهنري روشفور، وهو معروف تمام المعرفة؛ فرأسه رأس ثائر تعلوه خصلة شعثاء من الشعر تموج كأنها شارة التسليم، وبجبينه عجر كثيرة كأنه جبين طفل مشاغب، دائم الشجار مع أترابه، له ثغر قلصته السخرية، ولحية نافرة صاخبة. إنه ثورة لا تهدأ، وروح النقد والكفاح بعينها. إنه قطعة فنية رائعة نستطيع أن نرى فيها ناحية من نواحي ذهنيتنا المعاصرة. وهنا قال رودان.

(وكانت معرفتي بهنري رشفور عن طريق بازير أيضاً، فقد كان رئيساً لتحرير الجريدة التي يعمل بها. ورضى هذا المناظر الشهير أن يجلس إلي. كان ذا روح مرحة حتى ليحس المرء منه السحر عندما يصغي إليه وهو يتكلم. ولكنه ما كان يستطيع الجلوس ساكنا لحظة واحدة. وكان يؤنبني في رفق لأني أنصرف بكليتي إلى مهنتي؛ حتى لقد قال لي مرة وهو يضحك إني قضيت جلسة بأكملها في إضافة قطعة من الطين إلى التمثال، وجلسة أخرى في رفعها عنه.

(وفيما بعد، عندما رأى أن تمثاله حظي بإطراء ذوي الذوق الرفيع وثنائهم جاراهم في ذلك الإطراء غير متحفظ، ولكنه ما كان يعتقد أن تمثاله ظل على حاله الأولى من ساعة أن حملته من منزله، وكان يكرر ويعيد علي هذه العبارة: (لقد أعملت يدك فيه كثيراً. هذبته تهذيباً. وحقيقة الواقع أني لم أمسسه حتى بظفري).

وعند ذلك أخفى رودان خصلة الشعر بإحدى كفيه واللحية بكفه الأخرى ثم سألني عما يمكن أن يشبهه إذ ذاك). فقلت:

(تستطيع أن تقول إنه قيصر من قياصرة الروم)

(هذا ما أردتك أن تقوله تماماً، إذ أني لم أستطع أن أجد الطراز اللاتيني القديم نقياً خالصاً كما وجدته في روشفور)

وإذا لم يدر عدو الإمبراطورية الألد للآن وجوه تشابه بين وجهه ووجه القياصرة، فإني أراهن أن مجرد علمه بذلك سيبعثه على الابتسام

وعندما تكلم رودان من لحظة عن دالو، صورت في مخيلتي تمثاله الذي صنعه لذلك المثال

<<  <  ج:
ص:  >  >>