بهذه البلاد وبالأندلس منذ آماد طويلة، فنشروا فيها مبادئ العدل والحرية، والمساواة والتسامح، وحملوا لواء العلم والعرفان، وأرسخوا فيها دعائم المدنية وأركان الحضارة
هم سلالة أولئك الهداة والرائدين من عرب المغرب والأندلس الذين علموا أبناء فرنسا وغيرهم من أمم أوربا، وأيقظوهم من سباتهم العميق، وأخرجوهم من ظلمات الجهل والجور إلى نور العلم وضياء الحرية يوم أن كانوا يهيمون على وجوههم يتخبطون في دياجير الجهل، ويرزحون تحت آصار الجنف والاستبداد
لقد شهد المنصفون من علماء أوربا ومؤرخيها بعدل العرب وإحسانهم، ورحمتهم وتسامحهم، حتى قال جوستاف لوبون:(ما رأيت فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب)، كما اعترفوا بأن نهضة أوربة إنما نبعت من معين العرب، وشيدت بطلبة البعوث العلمية الذين ارتووا من مناهل علومهم ومعارفهم في طليطلة وقرطبة واشبيلية وغرناطة ومراكش وصقلية وغيرها. كذلك اقتبسوا من محاسن عاداتهم وقوانينهم، وانتفعوا بما شاهدوه من زراعتهم وصناعاتهم، وتنافسوا في ذلك تنافساً عجيباً، حتى انتشرت هذه المعارف والعلوم، وبزغت شمسها في أوربا، ولاسيما فرنسا وإيطاليا وجرمانيا وإنجلترا، وذلك في القرون الوسطى، فنقلوا عنهم الفلسفة والهيئة والطبيعيات والبصريات والرياضة والكيمياء والطب والصيدلة والزراعة، وتعلموا منهم الفروسية، وأخذوا عنهم عمل الورق والبارود، ونسج كثير من المنسوجات وكثيراً من الحبوب والأشجار
جاء في صحيفة مدرسة أدنبرة:
(إنا لمدينون للعرب كثيراً، فإنهم الحلقة التي وصلت مدنية أوربا قديماً بمدنيتها حديثاً، وبنجاحهم وسمو همتهم تحرك أهل أوربا إلى إحراز المعارف، واستفاقوا من نومهم العميق في الإعصار المظلمة، ونحن مدينون لهم بترقية العلوم الطبيعية والفنون النافعة وكثير من المصنوعات التي نفعت أوربا كثيراً علماً وتمديناً)
وقال المؤرخ الفرنسي لافاليه في وصف مدنية العرب والمسلمين:
(إنهم في جميع الفنون فاقوا المسيحيين، وبلغوا الدرجة القصوى في الحضارة، حينما كان أقرانهم من الأوربيين هائمين في أدوية الجهالة والوحشية، فكانوا فوقهم في العلم ومثلهم في البأس، وكانوا حكماء في المجالس أشداء في المآزق)