فكيف يجوز لفرنسا أن تعامل في القرن العشرين أمة ماضيها المجيد حافل بالمكرمات والمآثر معاملة العبيد الأرقاء، وقد كان أسلافها بالأمس معلميها ومعلمي سائر الأمم، كما كانوا ناشري لواء الحرية والعلم في أوربا وسائر أنحاء الدنيا؟ وكيف سمح لها ضميرها الحي ووجدانها اليقظ أن تنكل بالجزائر في شهر مايو الماضي فتضرب أبناءها ومدنها وقراها بمدافع الطائرات، وتصب عليها من سفنها الحربية وابلا من النيران وحمما من سعير الجحيم، وتسوق الأحرار من بنيها إلى المحاكم فتحكم عليهم بالفناء والموت الزؤام!
ماذا صنع أولئك المساكين؟ وماذا نقم منهم الفرنسيون؟ لم ينقموا منهم إلا أنهم آمنوا بحقوقهم وشعروا بالظلم الفادح ينقض ظهورهم ويثقل كواهلهم، فرغبوا في حريتهم وفي حياة الكرامة والاستقلال، وأبوا حياة الضيم والهوان. . .
يا فرنسا: خفضي من غلوائك، واذكري ما كنت فيه بالأمس القريب يوم الاحتلال الألماني، واعلمي أن في بلاد المغرب بسلاء لا ينامون على ضيم، قد انحدروا من سلالة شرف ومجادة، وجرت في عروقهم دماء سلافهم الأولين الذين جاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الحق وتوفير العزة للمؤمنين
يستعذبون مناياهم كأنهمُ ... لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا
لا جرم إنه من الخير لفرنسا أن تنظر في سياستها الاستعمارية القديمة فتتنكب سبيلها، وترد إلى تلك الشعوب حقوقها، فبذلك وحده تبقى السلم، ويعم العالم الأمن، وإلا فبواعث الحرب قائمة، ونذرها ماثلة، ولن تكف الشعوب المهتضمة عن المطالبة بحقوقها، ولن تني في الجهاد والاستشهاد في سبيل حريتها