يؤيدا ببصيرة ما عمل فاته التلافي ولم يمكنه الاستدراك. . . وقد قضى العقل قضاء جزماً، وأوجب النظر إيجاباً حتما، أنه يجب ألا يفرق الإنسان بين هذه الأجزاء الملتحمة والأعضاء الملتئمة، وليس هو رابطها، ولا هو على الحقيقة مالكها، بل هو ساكن في هذا الهيكل لمن أسكنه فيه، وجعل عليه أجرة السكنى بعمارة المسكن وحفظه وتنقيته وإصلاحه وتصريفه على ما يعينه على طلب السعادة في العاجل والآجل. وكان سعيه مقصوراً على التزود إلى مبوأ صدق، ولابد له من المصير إليه والمقام فيه. . . على خير غامر وراحة متصلة وغبطة دائمة، حيث لا آفة ولا حاجة ولا أذى ولا حسرة. . . فأما إذا كانت الحال على خلاف هذا، فالشقاء الذي يتردد فيه. . . يكون في وزن ذلك ومقابله.
وجاء في (يتيمة الدهر) لأبي منصور الثعالبي:
لما عاود أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب بخارى من نيسابور. . . وقاسى من فقد رياسته وضيق معاشه قذاة عينه وغصة صدره استكثر من إنشاد بيتي منصور الفقيه:
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا ... في الموت ألف فضيلة لا تعرف
منها أمان لقائه بلقائه ... وفراق كل معاشر لا ينصف
وقال في معناها:
من كان يرجو أن يعيش فإنني ... أصبحت أرجو أن أموت فأعتقا
في الموت ألف فضيلة لو أنها ... عرفت لكان سبيله أن يعشقا
وواظب على قراءة هذه الآية في آناء ليله ونهاره:(وإذ قال موسى لقومه: يا قوم، إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل، فتوبوا إلى بارئكم، فاقتلوا أنفسكم). فقال بعض أصدقائه: إنا لله! قتل أبو أحمد نفسه. فكان الأمر على ما قال، فشرب السم فمات!!
قلت: مقالة (الإسلامية) في الانتحار والمنتحرين بليغة. روى محمد بن إسماعيل في جامعه:
(من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسى سماً فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)
والقوم في الغرب في هذا الأمر مختلفون، فمنهم من يجبن المنتحر ويضعفه وينتقص خليقته ويعده مسيئاً إلى المجتمع وإلى نفسه، ومنهم من يراه مسيئاً إلى المجتمع أو الدولة لا