قولك في مقدمة مقالك الأخير هذه العبارة:(وليست المسألة بيني وبين الأستاذ عبد المنعم قضية جدلية على طريقة المناظرات، وإنما هي حقيقة نود تجليتها، وإنه ليسرني من غير شلك أن ألتقي بالصديق في الطريق)
سرني هذا، ولكن ساءني ذاك، لأنه لا يعين على تجلية الحقيقة كما نود. . .
ولولا أن الموضوع يتصل بإعجاز القرآن من جهة، وبتجديد الدعوة الإسلامية والدينية الصحيحة عامة لنفضت يدي من هذا الجدل في الصيف. ولآثرت أن أترك لك الكلمة الأخيرة تدافع بها عن رأيك بأي الأساليب تختاره، ولكن الموضوع موضوع قضية إعجاز الإسلام والعربية، وقضية أساس الفكر الإسلامي والديني الصحيح عامة، بل قضية الكون كله وأعظم شؤونه! قضية الوصول إلى عقيدة التوحيد. . . فلا عجب ولا ضير أن يطول الجدل بيني وبينك في هذا الشأن الخطير ما دمنا نحتفظ فيه بالهدوء وضبط الكلمات حتى لا تشذ كلمة جارحة. . .
- ٢ -
أما القضية الأولى، وهي قضية (التصوير هو الأداة المفضلة في القرآن)، فقد وصل الحديث فيها بيننا إلى غايته بعد تكرار الأستاذ سيد اقتناعه برأيه فيها مرة ومرة، وبعد عجزي طبعا عن نقل كثير من الشواهد هنا للاستشهاد بها، كما فعلت بنقل النصوص التي وجهت نظره إليها، وأنا بالطبع ما أردت محاكمته إلى تلك النصوص وحدها، وإنما أحاكمه إليها والى أمثالها، وأمثالها هي الأكثر في القرآن
أما الربط بين (التصوير الفني)، سواء كان هو القاعدة العامة أم لم يكن، وبين سر الإعجاز في تعبير القرآن، فهو مكان الخطر في هذه القضية، لأنه يفسر إعجاز القرآن بأمور في مستوى الصنعة البشرية التي واتت وتواتي كثيرا من عباقرة البيان الذين يستخدمون التصوير الفني في مستوى رفيع فيه الوحدة والتناظر والتناسق وتقسيم الأجزاء وتوزيعها في الرقعة المعروضة، إلى آخر ما هنالك من سمات الطريقة، ولأن الربط بينه وبين سر الإعجاز يؤدي حتما إلى القول بأن المواضع الخالية من استخدام التصوير، سواء أكانت هي الكثيرة أم القليلة في القرآن ليس فيها إعجاز!