إن الدول التي توسعت في أملاكها وازدادت علاقاتها بالأمم المحكومة، قد أخذت تتحول من دول أوربية إلى دول ذات صبغة عالمية!
كيف تم هذا التحول؟ وكيف دخلت الدول الكبرى ميدان الاستعمار فأصبحت غير قادرة على التراجع والانكماش بعد أن ذاقت طعم حلاوته؟ كل هذا يمكن درسه وبحثه إذا عرفنا شيئا عن أثر المائة سنة الماضية وتطوراتها
فمن المسلم به أن بعض الدول كانت تملك المستعمرات، وكانت تعرف طريقة الاستغلال - قبل المائة سنة التي أشرنا إليها - ولكن نشاطها كان محدودا، وفي دائرة ضيقة، ولم يكن اتصال هذه الدول بمستعمراتها أو اعتمادها عليها بالقدر الذي وصلت إليه في الفترة الأخيرة، بل حصل ما هو أكثر من ذلك، إن البشرية لم تعرف زمناً، في كل عصورها السالفة بلا استثناء. خضعت فيه شعوب العالم المختلفة بمدنياتها وتقاليدها، بل وبمعاشها لحكم الأوربيين مثل العهد الذي جاء بين ابتداء القرن التاسع عشر وابتداء القرن العشرين
ففي هذه اللفتة من الزمن، اشتد التنافس والتسابق والتزاحم بين دول أوربا الكبيرة والصغيرة، القديمة منها والناشئة، لدرجة أن وصل إلى المناطق المتجمدة والصحارى القاحلة، فأصبح الجليد والصخر والرمال ميداناً لكل هذا
فكل بحث أو دراسة لشئون العالم، وكل قاعدة نستخلصها يجب أن يسبقها تعرف هذا التوسع وأثره وأهميته، ولكي تعرف بالضبط العلاقة بين الشعوب المحكومة والحاكمة، ولكي يحدد مركزنا وموقف الأجيال القادمة من هذه السيطرة وعلاقتها بآمال الشعوب ومقدراتها ومستقبلها
فلنتساءل عن أول أثر لهذا التحول أو التطور العالمي الذي أوجد أمماً قوية سائدة وأمماً ضعيفة خاضعة؟
كان من أثر هذه السيطرة الأوربية أن فنيت بقايا المدنيات القديمة التي حملتها أراضي الشرق الأوسط والأدنى والأقصى، بل اندثرت وتلاشت أمام مدنية الأوربيين وتفوقهم المادي والعسكري
هذا هو الأثر السلبي، أما الإيجابي، فقد كان من أثر هذه السيادة أن ازداد سكان المعمورة، لأن سكان المستعمرات قد تكاثروا وتناسلوا فكثر عددهم وأصبحت هذه الزيادة في السكان