مظهرا من مظاهر هذا الاستعمار الأوربي، والذي يدعو للدهشة أن هذه الزيادة في السكان لم تعرفها الإنسانية من قبل في أي عصر من عصورها السالفة
ثم كان من نتيجة هذه السيطرة وما تبعها من تنافس وتصادم أن ارتبطت أنحاء العالم بطرق مواصلات سهلة تعذر القيام بالثورات، كما أثر على علاقات الشعوب المحكومة، لأن هذه الأمم التي جهلت نفسها، وجدت أمام سهولة الانتقال والتعارف في مركز يسمح لها أن تستعيد العلاقات والروابط التي كانت قائمة بينها ثم انقطعت
ولما استقرت سيادة الأوربيين وسيطرتهم على أنحاء الدنيا وأمنوا أن تقوم الشعوب ضدهم، وظهر التفوق العسكري، وعرفوا طريقة تجنيد المرتزقة وكتائب الجنود الملونة، فألقى عليها عبء القتال واستتباب الأمن، انتقل الاستعمار من ميدان الفتح واستعمال العنف إلى ميدان جديد: نعم اتجهت في النصف الثاني من القرن الماضي إرادة الدول المستعمرة إلى الاستعانة بالعلم والاقتصاد على تنظيم استغلال ثروات ومرافق هذا الكوكب الأرضي، واقترن ذلك باندفاع نحو السير بهذا التطور الجديد نحو أهداف عالمية، أي اتجهت هذه الحكومات وهيئاتها الاستعمارية إلى تحقيق فكرة سيطرة الإنسان على أفق الحياة وإخضاع الطبيعة لسلطانه وإرادته بكل ما في العلم من قوة ثائرة، وما في الاقتصاد من قوة منتجة
أما من الناحية السياسية، فقد اخرج القرن الماضي لدى الدول التي تقدم لديها الوعي الاستعماري نشاطا أشد خطراً وأعمق أثراً وهو الدراسات العلمية والنفسية وتطبيقها على إدارة المستعمرات وفي حكم الشعوب المغلوبة على أمرها
لقد أصبحت هذه الدراسات أقوى دعامات سيطرة الأوربيين ودليل تفوقهم، بل برهان تمكنهم من قيادة الشعوب التي يحكمونها، أو كإحدى مظاهر الطبيعة التي ألانوا قناتها وأخضعوها لمشيئتهم في عالم الجماد والحيوان