للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القبر، هذا الدمع الذي يتألق على الوجنات. . . هذه الإناث وهذه الزفرات. . . أهذا كله وهم؟ لا وا أسفاه ما هذا بحلم. . . إنما هي الحقيقة وأعيننا لا تخدعنا. . . لقد قضى نحبه من كان بيننا منذ لحظات، من كان أمام أعيننا كالنحلة الدؤوب. . . لا يقر قرارها حتى تخرج العسل شهياً لصالح الخلية الاجتماعية. . . لقد ارتد الآن إلى التراب. . . إلى التراب الخداع، لقد اختطفته يد المنون القاسية الجبارة في لحظة كان يفيض فيها - مع تقدمه في العمر - بالحياة والقوة والطموح. إنها لعمري خسارة لا تعوض. . . ترى من سيخلفه في منصبه، لاشك أن في حوزتنا من هو كفء لها، ولكن (بركوفي اسبتسن) معدوم النظير. . . لقد كان منصرفاً إلى تأدية واجبه بما وسع مقدوره. . . لم يضن بقوته بل كان يجهد نفسه في العمل إلى لحظات متأخرة من الليل. . . كان مثلا عالياً للقلب والطيب والضمير المنزه عن الرشوة، كم كان يحتقر أولئك الذين يأكلون مال الناس بالحق وبالباطل. . . لا يفتأون يحللون له الضلال ليحيدوا به عن السبيل السوي. . . نعم أمام أبصارنا (بروكوفي اسبتسن) الذي يجود براتبه لإخوانه التعساء. . . كم ستطرق آذاننا تلك الأنات التي تطلقها الأرامل واليتامى بعد أن قضى نحبه من كان يحسن إليهم، من كان منصرفا إلى أعمال البر وإلى تأدية واجبه. . . من كان عزوفا عن ملذات الحياة وبهجتها. . . من نبذ سعادة هذا المجتمع. . . بل نبذ الزواج وجانب النساء إلى آخر أيامه. . من ذلك الذي في قدرته أن يخلفه كرفيق جبلنا على حبه. . . وكأني أنظر إلى وجهه الحليق تعلوه الرحمة يلتفت إلينا وعلى ثغره ابتسامة مشرقة. . . وكأني أنصت إلى صوته الحنون الشفيق. أسأل الله أن يشملك برحمته يا بروكوفي أسبتسن فقد كنت شريفا أمينا مع ما في ذلك من عناء. . .).

وواصل زبوكين حديثه. . . بينما شاع الهمس بين المنصتين، لقد أرضى حديثه الجميع. بل وجعل بعض الدموع تنهمر من المآقي. . . ولكن بدت معظم الفقرات الخطابية غريبة؛ فأولا: لم يدركوا السبب الذي دعا الخطيب من أجله الفقيد باسم (بروكوفي اسبتسن) مع أن اسمه (كيريل ابفنفتسن). ثانيا: أن الجميع يعلم ما كان ينشب بين الراحل وزوجته من الشجار. فمن المؤكد إذن إنه لم يكن أعزب كما نعته (الخطيب). ثالثا: كان ذا لحية كثة حمراء وهذا يتنافى مع قول الخطيب من إنه كان (حليق الوجه). ولهذا أعجز الجميع فهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>