للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المشهورة: (إذا لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس) وهكذا ظلت المعاني تتوالد والألفاظ تختلف باختلاف الرواة، وفيهم الأعاجم وغير الأعاجم ممن ليسوا بعرب، ولا يخفى ما في ذلك من ضياع معالم المعنى الأصلي وزوال شيء كثير منه. ومن العجيب أن رواية الحديث بالمعنى قد سارت على هذا النهج قرونا إلى أن خرج الحديث في صورته الأخيرة التي حملتها كتب السنة وخرجت بها في القرن الثالث وما بعده. وقد قال البخاري المتوفى سنة ٢٥٦هـ وكتابه كما يقولون أصح كتاب بعد كتاب الله: (رُبَّ حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر، فقيل له بكماله؟ فسكت).

ولقد كان لرواية الحديث بالمعنى ولا جرم ضرر كبير سواء أكان من الناحية الدينية أم من الناحية اللغوية والبلاغية، وبعد أن أباحوا الرواية بالمعنى أستجازوا لأنفسهم أن يأخذوا بالحديث إذا أصابه اللحن أو اعتراه الخطأ أو اختلف نظم عقده بالتقديم أو التأخير؛ وكذلك قبلوا أن يأخذوا ببعض الحديث ويتركوا بعضاً.

الموضوعات

وإن أشد ما منى به الحديث ولا جرم إنما كان منها (الموضوعات) التي اختلطت به وتدسست إليه فكانت مصدر بلاء كبير للمسلمين في كل العصور، وقد تولى كبر هذه الموضوعات فريقان:

أحدهما: أحباء الإسلام من مختلف الفرق والمذاهب وأصحاب الأهواء حتى الصالحين وأهل العبادة، أولئك الذين قال فيهم يحيى بن سعيد القطان: (ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث) ولقد كانوا يسوغون افتراءهم بقولهم: (إنا نكذب له لا عليه) ولكي يشدوا عملهم هذا بما يؤيده وضعوا أحاديث على النبي تجيز لهم هذا (الوضع) مثل ما رووا (إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس).

ثانيهما: أعداء الإسلام من الزنادقة وغيرهم من دعاة اليهود والنصارى الذين أظهروا الإسلام وأضمروا دينهم، فاغتر الصحابة وتابعوهم بإسلامهم، واخذوا من غير بحث عنهم. ولقد كان ما وضعوه، تلك الأحاديث التي جاءت في فضل الشام الذي كان في عهد بني أمية قاعدة الحكم ومصدر السلطان، وكذلك وضعوا أحاديث في أن (الإبدال) المعروفين عند الصوفية سيظهرون في الشام!

<<  <  ج:
ص:  >  >>