للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحرينا فيها وجه الحق، وحق العلم، وأوردنا فيها ما له وما عليه بغير أن نخشى أحداً في إظهار الحق أو نتحرج من شيء في بيان العلم، وكيف يصدنا تحرج أو يمنعنا خوف وقد انتقده الصحابة أنفسهم وردوا كثيراً من رواياته، وكذبه عمر وعثمان وعلي وعائشة وغيرهم، بل قد ضربه عمر بالدرة وحذره الرواية عن النبي أو ينفيه إلى بلاده حتى لقد كان بذلك أول رواية اتهم في الإسلام.

حديث من كذب علي

أما حديث من كذب علي (معتمداً) فقد عنيت بالبحث عن حقيقته عناية كبيرة حتى وصلت من بحثي إلى أن كلمة (معتمداً) هذه لم تأت في روايات كبار الصحابة ومنهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين: عمر وعلي وعثمان، وإن الزبير بن العوام - وهو حواري رسول الله وابن عمته - قد قال عنها: (والله ما قال معتمداً) ولعلها قد تسللت إلى الحديث من سبيل الأدراج المعروف عند رجال الحديث ليتكئ عليها الرواة فيما يروونه عن غيرهم على سبيل الخطأ أو الموهم، أو الغلط أو سوء الفهم حتى يدرءوا عن أنفسهم إثم الكذب ولا يكون عليهم حرج في الرواية لأن المخطئ غير مأثوم ومن أجل ذلك وضع الرواة قاعدتهم المشهورة: إنما الكذب على من تعمده؛ أو أن هذه الكلمة قد وضعت ليسوغ بها الذين يضعون الحديث خشبة عن غير عمد عملهم كما كان يفعل الصالحون من المؤمنين، ويقولون: نحن نكذب له لا عليه، ومن العجيب أنهم قد جعلوا هذا الحديث من المتواتر بلفظه ومعناه في حين أنه قد ورد بصيغ كثيرة كل صيغة منها تخالف الأخرى.

تدوين الحديث

ومما كشف عنه الحديث أن تدوين الحديث لم يقع إلا في القرن الثاني أي بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى بأكثر من مائة سنة. ولم يكن ذلك بدافع من الرواة، وإنما كان بوازع من الولاة! وبدا أول ما بدا غير كامل، ثم تقلب في أدوار أربعة، فكان في أول أمره مشوبا بأقوال فقهاء الصحابة في التفسير وغيرها من مسائل دينية أو طرف أدبية أو أبيات شعرية أو ما إلى ذلك مما كانوا يعنون بجمعه وتدوينه من غير ترتيب ولا نظام إلى أن جاءت طبقة ابن جريح والربيع بن صبيح وحماد بن سلمة وغيرهم في منتصف القرن الثامن وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>