موضوعه سيرة حياة إخناتون، أسبق الناس إلى الاعتراف بوجود إله واحد ينبغي أن يعبده الجميع، وأول من بشر بأن الله الذي خلق الكون وأبعد صوغه لا تنظره العين البشرية المجردة، وإنما يدركه العقل ويؤمن به القلب. وكان إخناتون أول من جرؤ على هدم الأصنام والتماثيل وتحطيم معابدها، وجاهد ليحمل شعبه القصير النظر على اعتناق دينه والخروج من أفق الملموسات الضيق إلى عالم اللامرئيات الفسيح. كان إخناتون فرعون مصر عبقرياً يعيش في عصر لا يؤمن إلا بالحجر والشمس والنجوم، وكان عليه أن يكافح كفاح الأبطال ليقنع القوم بما يعسر على العقل القاصر إدراكه، ويعصي على العين رؤيته، فوفق في هذه المهمة أولا، ولكن الشعب سرعان ما تألب عليه بإيعاز من كهنة الأصنام وانقلب عليه يطلب دمه ويحكم عليه بالموت، وينعته بالخيانة وبيع الوطن، ولكن المنية عاجلت إخناتون فمات حتف أنفه مغضوباً عليه من شعبه الذي أحبه وأخلص في خدمته، مطعوناً في نزاهته من أصدقائه المقربين، وعلت شفتيه وهو مسجى في الفراش هامداً بسمة هادئة عذبة أن عبرت عن شيء فإنما تعبر عن راحة قلبية واطمئنان إلى عدالة القضية التي نافح لنصرتها.
وقد أجاد الأستاذ عادل تحليل التطور الفكري لإخناتون، وبين الخطوات التي استطاع أن يصل بها إلى الحقيقة التي غابت عن أذهان معاصريه والسالفين له. وساق القصة، وهي مزيج نادر من الفلسفة والأدب والمنطق في أسلوب جميل أخاذ فضلا عن أن المؤلف ضمنها دروساً في السياسة والاجتماع فقال عن الحرب:(إنها العمى والعرج والبتر والكساح. إنها الأرملة فقدت زوجها والأم ثكلت ولدها والأخت تبكي أخاها والفتاة تندب حبيبها. . . أنها المناحة العظمى تعم أرجاء الوطن، والشقاء والحزن يخيمان على كل منزل. . . أنها المجاعة والذلة والمرض، حين تخلو الحقول من حارثيها والبيوت من عائليها، وتنتشر المقاذر والخبائث في كل مكان. . . فليست الحرب هي الشرف، بل هي الغدر والاغتيال والخديعة. أما الوطن فإن من أحبه حقاً كره الحرب. فمن يحب وطنه يسئه أن يسلب وطن غيره، كما أن من يجب زوجته لا يرنو إلى زوجة جاره).
أنه كتاب جليل، ولا غرو، فقد فاز بالجائزة الممتازة في مسابقة وزارة المعارف، وقد أحست لجنة النشر للجامعيين بنشر هذا الكتاب لأنه سد فراغاً طالما استشعرناه.