وأراد أن يكاشفها بدخيلة أمره، وأنه يرغب في أن تكون زوجه، ولكنه ما استطاع ثم حمل نفسه على أن يصارحها برغبته فقال:
- أنني يا جريزيلدا أبحث عن زوج برة مخلصة لينة المقادة، قريبة الارتياد، خلقها دمث، وطاعتي عليها فرض تتقبله في سرور أفأجد فيك التي أنشد؟!
- يا سيدي، أرجو أن تكون قد وفقت إلى اختيار من تريد!
ثم تم الزواج - كما أراد المركيز أن يكون - في فخامة وبهاء، وجاءت الفتاة القروية إلى قصر الأمير لتبتدئ حياة أرستقراطية غريبة عنها وعن قريتها التي أسلمتها إلى هذا القصر المنيف. . .
كانت الفتاة وفية حقاً للمركيز: تتحرى رضاه فتعمل به، وتتوخى هواه فتقصد إليه، وتقضي حق النعمة عليها بشكر أياديه وفضله. . .
وكانت برة به كما أراد، مخلصة له كأفضل ما تمنى. . . تعمل على إسعاده، ولو كان في ذلك شقاؤها، وتتمنى له الخير، ولو كان فيه أذاها. . .!
وكانت قد وهبته قلبها: فهي أبداً حريصة على رضاه، حريصة على إسعاده، حريصة على أن يكون زوجها أسعد الناس حياة. . .!
وكان شعب (سالوزو) يبصر هذا من الفتاة الكريمة، فيعجب بما يرى، ويغتبط بما يجد أميره من إكرام وحب ووفاء من بنت القرية (جريزيلدا). . . وقد كان هذا الإعجاب الشديد سبب حب الفتاة في قلوب أهل (سالوزو) أجمعين!
وما لبثت جريزيلدا أن وضعت بنتاً. . .
فرقى الخبر إلى شعب سالوزو، وابتهج الشعب لهذا وفرح؛ وأعلن عما في نفسه من أسباب الفرح والحبور بالاحتفالات يقيمها، والمآدب يولمها، والتهاني يرفعها إلى أميره. . .
ولكن الأمير لم يثلج بالأمر صدره غبطة - كما توقع الشعب ذلك منه - بل كان في نفسه ما يحز فيها حزاً من سوء الظن الأثيم!. . . فإن الرجل قد خيل إليه أن من وراء هذا الذي تبديه له زوجه من الحب والوفاء - خيانة مستترة - لا يعلمها هو، ولكن وجدانه ينبئه. . . ولا يعرف عنها شيئاً، ولكن حسه يوقظه. . . وتتعاظم هذه الخواطر في نفسه فتطغى على كل شعور. . . وإذا ما كان في نفسه عن المرأة قد عاد إليه. . . وهل تكون (جريزيلدا)