وإذاً فليتغلغل إلى دخيلة نفسها ليعرف الحق، وليمتحنها ليطلع على ما عند المرأة من خيانة وفجور. . .
. . . وأرسل إليها يطلب منها ابنتها معلناً أن شعبه لا يرضى أن تكون ولية العهد بنتاً من أم وضيعة الأصل، حقيرة البيت، من أهل القرى. . .
وفهمت هذا الذي كان يدور بخلده - وما كان ذلك ليخفى عليها - وأدركت أنها مفارقة ابنتها البريئة، ثمرة إخلاصها ووفائها وتفانيها في الحب لمولاها وزوجها المركيز - فراقاً لا تعلم مداه. . . بل قد لا يكون له مدى يقدر، أو نهاية تعرف!
. . . وألم بالمسكينة الجزع في شكل الثكل، وملكتها غموم الوالدة تفقد وحيدها، فاشتملت عليها، وتشعبتها آلام الفجيعة في شكل مريع. . . ولما رأت أن الأمر قد تعقد وأعضل، ودعت ابنتها في لوعة مريرة ويأس. . . ثم تقدمت بها إلى الرسول
ومضت بعد ذلك أعوام طوال كانت (جريزيلدا) مع زوجها على سيرتها الأولى: من طاعة وحب ووفاء. . . وصبر ما تلقاه منه من مكروه! ثم قدر الله فوضعت ولداً. . .
وكان لهذا الوضع أثره في نفسها المحزونة، فقد أملت منه خيراً يأتيها به أبوه. . . وقالت في نفسها: أن الشفاعة من ولي العهد ولا شك، وكيف تشك وها قد وضعت ذكراً ينوب في حكم الشعب مناب أبيه؟ وكيف تشك وهذه أمنية المركيز التي يطلب، ومراده الذي يبتغي - هو ومن ورائه شعب (سالوزو) الكريم؟!
ولم يدعها المركيز (جوالتيري) تحلم. . . وتبتعد في حلمها عن الواقع المقدر لها ولابنها هذا. . . فقد بعث يطلبه كما بعث من قبل يطلب أخته!
وتكرر فصل (المأساة) ولكن في مظهر أروع، وأعيد الحزن إلى قلب المسكينة ولكن في شكل أقسى؛ وقدمت المسكينة طفلها هذا كما قدمت أخته من قبل إلى الرسول!
وإذا كان جرو السبع لا ينفعه رضاع الشاة. . . وإذ كان النبت لا يقوم اعوجاجه حين يشتد عوده ويستأسد، فإن المركيز لم يكن ينفعه تفاني المرأة في إخلاصها وإظهار طاعتها له. . . والطباع إذا كان فيها عوج متأصل، لا تفيدها كل أنواع المقومات!
. . . وكذلك صبرت (جريزيلدا) على الخسف ستة عشر عاماً طوالا، كانت خلالها مثال