العفة في الخدمة، والشرف في أداء حقوق الزوج، صابرة على ما تلقاه من هذا الذي يدعونه زوجها، وليس في قلبه من معاني الزوجية التي تعتمد على الشرف والإخلاص شيء!
وعلى أن الحزن الممض لا يقوى على احتماله بشر له قلب وشعور، فإن (جريزيلدا) كانت تحتمل ما تلقاه في جلد واحتمال عجيب، كأن ما تراه من عقوق، هو عين الحق الذي يجب أن تعامل به الوفيات أمثالها. . .
ولكن زوجها المركيز لم يرضه هذا. . . بل عمد إلى طردها من قصره إلى حيث كانت في كوخها الريفي الحقير. . .
وخرجت (جريزيلدا) في أطمار بالية من القصر كما دخلته من قبل؛ ورجعت إلى كوخها وليس معها من آثار النعمة التي كانت فيها غير. . . أسوأ الذكريات، وغير ما في قلبها المكلوم من حزوز. . .
ولكنها لا تكاد تستقر في ريفها حتى يأتيها رسول (المركيز) يأمرها بالرجوع إليه.
لتعد قصره الذي برحته لزواج جديد!! من حسناء من بنات الأشراف. . .
ونزل عليها الخبر كالمصيبة تنال بعد كثير من أمثالها؛ لا تكاد تستقر واحدة حتى تتلوها الأخرى اشد إيلاماً وأفجع!
. . . ورجعت إلى القصر وإن قلبها لجازع من هذا الذي يرى؛ ولكن ستاراً من الابتسامات العذاب كان ينسدل على ذلك القلب الكبير فيخفي ما به من أثار اللوعة والشقاء. . .
وتم إعداد القصر للزواج الجديد. . .
وتمت دعوة الأشراف والنبلاء إليه في ليلة الزفاف. . .
فكان القصر ليلتئذ بحسناواته ومظاهر المسرة فيه جذوة من اللهب تتقد في قلب (جريزيلدا) التي كانت تتغشى طمراً أبلاه الدهر وأخلقه. . . قابعة في زاوية من زوايا القصر، خانسة، فكأنها في ذلك القصر المائج بالغيد الفاتنات تمثال البؤس الذي يتحاشى المترفون النظر إليه. . . أن يشقيهم أو يكدر صفو حياتهم التي يحيون!!
ورفعت (جريزيلدا) عينيها إلى العروسين الداخلية فاحتارت مما رأت. . . لقد كانت، في يوم من الأيام، كهذه الحسناء التي تتيه بجمالها الفتان وتزهى. . . لقد كانت يوماً قبلة