ولقد انتهى كل هذا إلى تنافس بين الدول الاستعمارية ظهرت بوادره بداية القرن الماضي، فمشكلة فاشودة بين فرنسا وبريطانيا واتفاق سنة ١٩٠٤ بين الدولتين، وهو الذي جعل مراكش من حصة الأولى، وجعل مصر من نصيب الثانية، جاء ليحد من أثر التنافس، وليوجد حلا للمشاكل الاستعمارية بين الدولتين، كذلك كان اتفاق سنة ١٩٠٧ بين بريطانيا والروسيا، جاء ليقسم إيران، وليسد الباب على هذا التلاحق أو الاحتكاك بين قوتين تخشيان التصادم
ولقد وصل هذا التنافس بين المستعمرين إلى مداه قبل قيام الحرب العالمية الأولى، أي في سنة ١٩١٤، وكثر التحدث عن احتلال المراكز التجارية والمواقع الاستراتيجيكية التي تسيطر على طرق الملاحة والمواصلات
ولما وقامت الحرب العظمى الأولى، كانت أوروبا في عنفوان قوتها ومجدها وسلطاتها. وقد ورثت الأرض ومن عليها، وكانت حرباً قاسية ضروسا تحملتها أوروبا واشتركت المستعمرات فيها بأموالها وبرجالها، وكان الدور الذي لعبته الهند وأفريقيا الشمالية وغيرها هاماً، فبقدر أهمية الخدمات التي أدتها المستعمرات، بقدر ما زاد واستوثق اتصال الدولة الحاكمة بالبلاد الخاضعة لسلطنها ونفوذها
نتساءل بعد ذلك عما كان من أثر الحرب العالمية الأولى ونتائجها؟
ظهر جليا بعد الحرب أن أوروبا تحطم فيها أكثر ما خلفته المائة سنة الماضية من أنظمة اجتماعية وسياسية واقتصادية
فلو قدر لمترنخ الوزير النمساوي أو لغيره من أساطين ونماردة الرجعية الذين خيل إليهم أن الأقدار بيدهم يوماً ما
نعم، لو قدر لهم رؤية أوروبا عام ١٩٢٠ لصعب عليهم أن يجدوا أثراً من الأنظمة التي فرضوها على الشعوب في مستهل هذا القرن الماضي
ولكن أوروبا التي تحررت من أثار القرن التاسع عشر، عرفت - لأول مرة - عهداً من الفقر المادي والمعنوي، ودخلت في طور جديد من المشاكل، إذ كانت العشرين سنة التي أعقبت الحرب العظمى، كشريط سينمائي للحوادث، استمر يعرض علينا مشاكل الحدود والأقليات والثورات المتتابعة، ومسائل التسليح ومقاعد عصبة الأمم - فكانت ما أثارته