وتطفو عليه). ثم نعمت واغرورقت نفسي لقوله في ختام رحلته:
(إذا وجل القلب فهذا الكرسي يعلمني أن الخوف عبث وإن الذي أخافه قد يخطئني ويسبقه إلى الذي أرجوه، فكم من مرة جلست عليه أطيل النظر في أعقاب الأمور واقلب الظنون في كل وجه من الوجوه ثم جاء الوقت المحذور ولم يجئ معه ما حذرناه!
وإذا تقطعت النفس حسرات على نعمة من نعم العيش فهذه الشرفة تقول لي: بل انتظر طويلا أو قصيرا فسنرى كما رأينا وسنعلم كما علمنا أنك ستعيش بغير هذه النعمة التي كنت تقرنها بالحياة.
. . . وهذا المكن قد صعدت سلالمه ثلاثاً ثلاثاً ثم صعدتها اثنتين اثنتين ثم اصعده درجة درجة على غير عجلة ولا اكتراث، وهذا المسكن قد نزلت به والشعرات البيض يتوارين في السواد، وما زلت انزل به والشعرات السود يتوارين في البياض. . .)
ولكن هذا الشعر المنثور وما استدعاه المقام أحياناً من الاستشهاد بشعر منظوم بعضه من شعر المؤلف القديم، ليسا إلا (نثارة) وسط ذخائرنا من المناقشات الحادة والبحوث الجادة تنتظمها دفتا (السفينة) أو دفتا الكتاب:
انظر إلى هذه المناقشة لما قرره (أرثر بلفور) من نفي الصلة بين عالم المادة وعالم الروح وأقرا هذه المحاجة الدقيقة الصلبة الناعمة: (إنما ساء فهم المادة والروح معا من تصور الأقدمين هذه وتلك إذ وضعوهما موضع النقيضين وجعلوا المادة كثافة لا حركة فيها وجعلوا الروح حركة لا كثافة فيها. أنك حين تضرب الأرض بقدمك فتزعم أنك صدمت الحقيقة التي لا تقبل المراء إنما تصدم شيئاً غير الكثافة أو الجرم الذي يحسب عند بعض الناس وجودا لا يقبل الإنكار. فإنما الوهم كل الوهم هذه الكثافة، وإنما الوجود الحق هو ما وراءها من قوة تصدم القوى فتصدم الحواس. هذه الكثافة المادية لا شيء يا صاحبي لولا القوة التي تكمن في اطوائها. . . وإن شئت مصداقا لذلك فافرض أن يدك التي تقف عند هذه الخشبة قد زادت قوتها ألف ضعف أو عشرة آلاف ثم عد إلى لمس الخشبة بتلك القوة المضاعفة فهل تقف عندها؟ كلا أنها لا تقف عندها بل تعبرها. كما تعبر الماء أو كما تعبر الهواء، أو تعال إلى الماء والهواء وهما مثال التخلخل في تلك الكثافة المادية فادفع الماء بقوة من بعض العيون. . . أنك إذن لتضر به بالسيف القاطع فلا يمضي فيه. . . فليست الكثافة