والواقع أن النظرية الفسيولوجية ابعد ما تكون عن النظريات العلمية برغم ادعاء أصحابها وفي اغلب الأحايين تقوم على نزعات قومية تعصبية.
تلك هي أهم النظريات العلمية التي تناولت تفسير الوقائع التاريخية بوجهات نظرها المختلفة، وقد تبين لنا بوضوح وجلاء أنها ابعد ما تكون عن طبيعة التاريخ نفسه، ولذلك لم تسلم نظرية منها من وجوه النقد وأثبتت كل نظرية قصورها عن تفسير التاريخ ووقائعه وأحداثه. وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ظهرت مدرسة جديدة زعم أنصارها أن دراسة العلية في التاريخ يمكن أن تخضع لمنهج علمي دقيق يجمع بين طائفة من النظريات السابقة وبمقتضاها يكون موقف المؤرخ من تفسير الوقائع التاريخية كموقف عالم الطبيعة من تفسير لوقائع الطبيعية ولقد عرفت هذه المدرسة بالمدرسة المنهجية الحديثة.
وقواعد المدرسة المنهجية حتى أيامنا هذه هي رائد المؤرخين في أبحاثهم عن علل الوقائع التاريخية، ومعظم الكتب التاريخية التي تدرس في المدارس والجامعات موضوعة حسب قواعد هذه المدرسة.
ولكن احدث الدراسات العلمية قد بنيت في قواعد المدرسة المنهجية أمرين:
١ - اعتبارها العلية التاريخية كالعلية العلمية.
٢ - قصورها على إعطاء تفسيرات صحيحة للعلل التاريخية.
أولاً: العلية التاريخية تختلف تمام الاختلاف عن العلية العلمية فالتاريخ يتكون من وقائع حدثت مرة واحدة والى الأبد، في حين أن العلوم الطبيعية تتكون من وقائع تتكرر باستمرار. والقاعدة الأساسية في العلوم الطبيعية أن نفس العلة تنتج نفس المعلول:
٢يد + ١ يعطينا دائماً ٢يد١. أما في التاريخ فنفس العلة لا تتكرر أبداً. فالخلاف بين العلية التاريخية والعلية العلمية، خلاف ينشق عن طبيعة العلمين المختلفين.
ثانياً: إذا كانت المدرسة المنهجية تدعى أنها تعطي تفسيرات صحيحة للوقائع التاريخية لا تقبل النقد، فإن البحث الدقيق في كتب المنهجية يكشف عن أخطاء كبيرة وعديدة.
ففي كتاب (التاريخ السياسي لأوربا المعاصر) لسينوبوس أحد أعلام المدرسة المنهجية، من الأخطاء ما يجعل المؤرخ الحق يرفض قواعد هذه المدرسة في البحث التاريخي.