ففي صفحة ١٥٨ من هذا الكتاب يقول سيوبوس:(إن جريمة الزنى التي ارتكبتها بارنيل مع السيدة أوشيعه كانت علة التخلخل الطائفة الأيرلندية وضعف مركزها في مجلس النواب). هذا التعليل خطأ، فجريمة الزنى في كثير من المجتمعات لا تحدث ذلك الأثر العظيم الذي أحدثته جريمة بارنبل مع السيدة أوشيعه، وإنما التعليل الصحيح يرتد إلى الاتجاه الجمعي ضد هذه الجريمة، هذا الاتجاه هو الذي يفسر الأثر الذي أحدثه بارنيل بجريمته.
وفي صفحة ٣٣ من نفس هذا الكتاب يقول المؤلف:(الثورة الفرنسية بما أثارته من الخوف والفزع في الطبقات صاحبة الامتيازات، قد حالت بينها وبين القيام بأي إصلاح خلال ثلاثين عاما. . .) والعلامة سيميان يكشف لنا عن هذا الحكم التعسفي، فالدراسة الحقيقية للظروف المحيطة بالطبقات صاحبة الامتيازات تجعلنا نتحقق من علل أخرى لعل أقلها أهمية الخوف والفزع. وفي مكان آخر من نفس هذا الكتاب:(إن قيام الصناعات الكبيرة قد ضاعفت في عدد العمال، وكان نتيجة ذلك أن ازدادت الشقة بعدا بين طبقة الأغنياء والفقراء. . .) فهذا التعليل لا يرمز إلى الحقيقة بحال من الأحوال.
والأمثلة على أخطاء المنهجية عديدة وهي من ذلك النوع من الأحكام التعسفية البعيدة كل البعد عن روح البحث العلمي. . .
رأينا إذا إخفاق المدرسة المنهجية في أبحاثها عن العلل التاريخية. وقد رأينا من قبل إخفاق النظريات الشائعة المختلفة في توجيه الأبحاث التاريخية. ذلك لأن هذه النظريات المختلفة قد بحثت في التاريخ قبل أن تبحث عن طبيعة التاريخ. . . بحثت في الوقائع قبل أن تبحث في طبيعة الوقائع، ومن هنا كان إخفاق المؤرخين وإخفاق أبحاثهم.
ولو أن المؤرخ عني بالبحث عن طبيعة التاريخ قبل البحث في وقائعه، لوجد أنه الإنسان: هذا الكائن الاجتماعي.
اجل، أن الحياة الاجتماعية هي وحدها القادرة على تفسير الأحداث التاريخية وهي علة هذه الأحداث، ويرجع تنبه المؤرخين إلى هذه الحقيقة إلى السنوات الأخيرة فقط، فقد نشر الأستاذ جيدبجر الأمريكي في سنة ١٩٠٣ رسالة عنوانها:(نظرية في العلية الاجتماعية) رد فيها التاريخ كله إلى مجال علم الاجتماع. وقد قال في هذه الرسالة: (إنه إذا كانت