الصفات الفردية والخاصة للوقائع التاريخية - وهي المحددة بزمان ومكان - لا تتكرر بل تحدث مرة واحدة والى الأبد، فإن هنالك اطرادا في بعض العناصر التاريخية العامة. ولما كان العلم يعين بالاطراد والتكرار لأنه لا يستطيع أن يدرس ظاهرة لا تتكرر، فكذلك التاريخ إذا أراد أن يكون علما بالمعنى الصحيح فلابد له من دراسة العناصر العامة المطرودة في الوقائع التاريخية وبعبارة أخرى: إذا أراد العالم أن يكون مؤرخا فعليه أن يكون رجل اجتماع).
ولئن كان بعض المؤرخين المنهجيين يدافعون عن نظريتهم التقليدية بقولهم:(أن التاريخ علم لا يستطيع أن يتجنب الاتجاه الزمني وإن الطابع المميز للمعرفة التاريخية هو اتصالها الأساسي بالزمن، وعلم الاجتماع كسائر العلوم الطبيعية يدرس الوقائع خارج الزمن فلا يمكن رد التاريخ إلى علم الاجتماع) فمن السهل أن نرد على زعم هؤلاء المنهجيين بقولنا: (إن هذه الحقائق الجزئية التي يعنون كل العناية بالكشف عنها تظل غامضة وتافهة إذا لم ترتبط بقانون معين يوضحها ويجلو قيمتها). ومن العجيب حقا أن أكثر ما يعني به المؤرخ حتى أيامنا هذه في أبحاثه عن بعض المؤسسات كالمعابد الدينية مثلا، هو وصف هذه المعابد بأصحابها وهيئاتها ووصف من أمر بإقامتها. . . الخ دون أن يعنى أقل عناية بالكشف عن القوانين التي يربط بها تطور المعابد الدينية والتي وحدها يمكن أن تفسر لنا علة قيام هذه المعابد أو تلك في هذا العصر أو ذاك. نحن لا ننكر أن البحث في الوقائع الجزئية في التاريخ على جانب عظيم من القيمة العلمية، ولكننا ننكر كل الإنكار أن هذا البحث وحده يمكن أن يقدم لنا تفسيرات هذه الوقائع الجزئية. فلابد من أن يلجا المؤرخ إلى الصفات العامة في الوقائع التاريخية ويستخلص منها القوانين التي بمكانها أن تفسر الوقائع التاريخية، والتي يمكننا على أساسها أن نجعل من التاريخ علما. فلابد أن يلجأ المؤرخ إلى القوانين الاجتماعية وهي العناصر العامة المطردة في الوقائع التاريخية؛ وبهذا يستطيع أن يقدم لنا حقائق علمية.
ولنفترض أن أمامنا مؤرخا يبحث عن تاريخ الأزمات الاقتصادية ويقف في بحثه عند أزمة فينا سنة ١٨٧٣ والتي بلغت نهايتها العظمى سنة ١٨٧٤، فيسترعي التفات المؤرخ في وصفه لهذه الأزمة ازدياد نسبة الانتحار وارتفاع عدد المنتحرين ارتفاعا كبيرا، ولنفترض