أن هذا المؤرخ من المدرسة المنهجية فإن التعليل الوحيد الذي سيعلل به ازدياد نسبة الانتحار في أبان أزمة فينا هو الفقر والجوع. ولا يكون المؤرخ قد قدم لنا في هذه الحالة إلا أوصافا ابعد ما تكون عن الصحة وعن الطابع العلمي. ذلك لأن الواقع كما يقول العلامة دركيم في كتابه عن الانتحار هو أن الأزمات الاقتصادية كثيراً ما تنتج تأثيرا عكسيا في نسبة الانتحار كما هو مشاهد في ايرلندا مثلا، فعلى الرغم من هذه الأزمات الاقتصادية التي يعانيها الفلاح الايرلندي فانه قلما يقدم على الانتحار. ولو أن هذا المؤرخ الذي قرر أن الفقر الذي أحدثته أزمة فينا سنة ١٨٧٣ هو علة ازدياد نسبة الانتحار، كان قد درس ظاهرة الانتحار وقوانينها الاجتماعية العامة، وابعد نفسه قليلا عن حادث فينا الخاص، لوجد تفسيرا آخر لازدياد نسبة الانتحار عامة وليس في حادث فينا الخاص فقط. وهذا التفسير نجده في قانون الانتحار الذي استخلصه العلامة دركيم من دراسته لهذه الظاهرة. وقد ربط به عدة قوانين أخرى. وخلاصة هذا أننا في حالة التاريخ لا يجدينا البحث عن الوقائع إلا بقدر ارتباطها بقوانين عامة.
وقد تقدم العلامة سيميان في سنة ١٦٠٦ إلى الجمعية الفلسفية الفرنسية برسالته الشهيرة:(العلية في التاريخ) أوضح فيها اتجاه التاريخ الحديث نحو علم الاجتماع. وقد عدت رسالته ثورة في الأبحاث التاريخية وأشاد بها كثيرون من علماء فرنسا في ذلك الحين من أمثال: لاكمب وبلوخ ولالاند.
ولقد أراد العلامة سيميان برسالته أن يتقدم بمنهج نظري وعملي في الوقت نفسه. فوضع للأبحاث التاريخية عن العلل أربعة قواعد شكلية تكون بمثابة منهج تطبيقي للمؤرخ الحديث. وقد أراد بهذه القضايا الشكلية أن يجعل من التاريخ فرعا من فروع علم الاجتماع؛ فهو يرى أن العلمين يتفقان كل الاتفاق في موضوعهما وطبيعتهما. . . ولا بد لنا من أن نعرض لهذه القضايا لأنها المنهج الاجتماعي في الأبحاث التاريخية.
القضية الأولى:(يجب تفسير الواقعة التاريخية في حدود عامة). أعني أن نربط الواقعة الجزئية بقانون عام يفسرها؛ فمثلا في وصفنا لبناء معبد ديني، يجب أن نربط وصفنا هذا بقانون عام يفسر التطور الديني الذي انتهى إلى بناء هذا المعبد. . .
القضية الثانية: هي توكيد التفرقة بين العلل والوسائط وتصاغ هكذا: (من بين الأسباب