للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فابتسم الشيخ وسألها كالمتهكم:

- إيه. . هل أعيده إليك حقا؟

رباه. . . ماذا تقول؟ هل يمكن أن تنكص عن الجواب؟ وقالت وهي تزفر:

- نعم أعده

وتغير وجه الرجل، فلاح في محياه الجد والاهتمام، ووثب قائماً، ثم تحول إلى النعش يفك أربطته ويرفع غطاءه دون تردد وألقت الفتاة ببصرها إلى النعش لتستقبل العائد العزيز. . . ولكن اشتدت وطأة الكابوس وثقله، ورأت نفسها تتغير في مثل لمح البصر فترد إلى حالتها الأولى، فاستردت صورتها العليلة وبشرتها الشاحبة وعينيها القبيحتين، وغابت كل المسرات: فلا نضارة ولا شباب ولا مال ولا زواج. . . وشعرت بإعياء وخور فلم تعد قدماها بقادرتين على أن تحملاها، فسقطت جاثية على ركبتيها، وعيناها لا تتحولان عن النعش. . . ثم غلبها البكاء، واستيقظت عند ذاك، فرفعت رأسها عن الوسادة، وتحسست يداها وجهها والفراش، لتتأكد من أنها يقظة، وإن ما كانت تكابده حلما من الأحلام، وكان قلبها يدق بعنف اضطرب معه ما فوق القلب من قميصها الأبيض، ثم أسلمت رأسها مرة أخرى إلى الوسادة وهي تتنهد تنهدا عميقاً، وما لبثت أن أجهشت في البكاء، لا لأنها مسخت فردت إلى حالتها الأولى، ولكن لأنها ذكرت أخاها الراجل، فثارت كوامن أشجانها. . .

نجيب محفوظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>