عادت إلى الشقة التي كانوا يقيمون بها قبل وفاة شقيقها، وأنها في حجرته بالذات وعلى فراشه، ورأت في وسط الحجرة نعشا ملفوفا في الحرير الأبيض، يجلس عل رأسه شيخ كبير في عباءة سوداء وعمامة بيضاء، وكانت تبكي وتكابد ضيقا يكاد أن ينشق به صدرها، وكأنما الشيخ رق لها فوجه إليها الخطاب متسائلا:
- لماذا تبكين؟
فقالت وقد أثر فيها عطفه فانهالت مدامعها:
- أخي. . . أني أبكي أخي. . .
فأومأ الشيخ إلى النعش وقال بهدوء:
- أنه يرقد ها هنا
فحنت رأسها حتى تساقط الدمع على حجرها وقالت بصوت تختنقه العبرات:
- اعلم ذلك وا أسفاه
فسألها مبتسما:
- أتحبين أن يعود إليك؟
فنظرت إليه بعينين لا تصدقان وقد كفت عن البكاء وتساءلت:
- أتستطيع ذلك حقا؟
- نعم بغير شك
فقال بلهفة ورجاء:
- رد إليه الحياة. . . أعده إلينا
ولم تتمالك نفسها، فنهضت قائمة يلعب بفؤادها الأمل؛ فقال الشيخ بهدوئه الذي لا يفارقه:
- ليس الأمر باليسر الذي تتصورين، فلابد من ثمن يؤدي
- أي ثمن. . . وهل يغلو لقاء أن يعود أخي؟!
فهز الرجل رأسه المعمم وقال:
- إذا رد إلى الحياة، وهذا على هين، فستردين أنت إلى حالتك الأولى، يعاودك المرض ويعتريك الذبول والاصفرار والحول، ولا يلبث حتى يسترد ماله فتفقدي خطيبك!