للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- لا يرتاح لي بال إذا تركت هذا المرض يهتصر شبابك الغض. . .

ومضت بها إلى الطبيب، وتفحصها الرجل بعناية ووصف لها حقنا ونصحها بتبديل الهواء، فأحضرت المرأة الحقن، ثم شدوا الرحال جميعاً إلى بلبيس - بلدة العمة - وهناك بين أحضان الريف الحنون وهدوئه الشامل في الهواء النقي والشمس الصاحية سارع إليها البرء ومشى في أعصابها الشفاء، فانتهت النوبات التي كانت تعتريها، ونجت مما كان يشقي حياتها من القلق والمخاوف، وسرعان ما امتثل جسمها الهزيل واعتدل قدها وجرى في وجهها ماء الشباب ورونق الصبا وجاذبية الأنوثة. وسرت العمة بما رأت، وكأنها بستاني يجنى ما غرست يداه لأول مرة، وأطمعها هذا الظفر بالمزيد، فحدثت نفسها: (آه لو يذهب هذا الحول. . . فأي عينين تكونان!) ولكن ما الذي يمنع هذه الأمنية من أن تتحقق. . . لقد سمعت أن من أطباء العيون من يعالج الحول ويرد البصر سالما. ولم يقعدها التردد فقفلت هي وآسرتها الجديدة إلى القاهرة وقصدت إلى كبير من أطباء العيون فأملها خيرا وأجرى العملية فنجحت نجاحا باهرا فاق كل تقدير. واستوت عينان فطرتا على الميل والانحراف، وأخلى الحول مكانه لحور فاتن، ونظرة حلوة تقطر ملاحة، ونظرت إحسان في المرآة فرأت وجها جميلا لا عهد لها به، يحسد على ما حبته الطبيعة من الحسن والجمال، فانبهرت الفتاة، واستخفتا السرور، وتناست أحزان الماضي وهمومه، وتفتح صدرها للحياة كما تتفتح الزهرة عانقها أول شعاع لشمس الربيع، وابتاعت لها عمتها أبهى حلل وأليقها بجسمها اللدن، فتبدت في ثوبها الأسود النفيس في بهاء العاج ورونقه، وأبرزتها من خدرها فقدمتها إلى أبهاء الاستقبال في بيوت المعارف والجيران، وكانت تقول لها وهي ترمقها بعين الحب والإعجاب:

- لكم يشرح صدري ويسر قلبي إذا جاءنا العروس المدخر غدا. . .!

ولم يتثاقل هذا الغد ولا تأخر العريس طويلا، فجاء يطلب يدها البضة، ولما علمت الأم سر فؤادها المكلوم، ودارت دمعة ترقرقت في عينيها حين ذكرت ما ادخره الفقيد من مال لهذا الزواج ولزواجه هو أيضاً

وباتت إحسان تلك الليلة في سرور عظيم بل كانت اسعد لياليها

وعندما رنق النوم بجفنيها في ساعة متأخرة، رأت فيما يرى النائم حلما مؤثرا، رأت أنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>