تحس ضعفا هنا ولا لينا هناك. ولكنك ترى الكلام مستويا مع الغرض علواً واتساقا.
وتقرأ الموضوع الواحد لعلي أدهم فتراه طائفا معك من أبي تمام إلى المتنبي إلى فرويد من غير أن تحس تكلفا في الانتقال؛ لأنه يصدر عن طبع وإحاطة.
ويغلب على كتابته ناحية الفكر والفلسفة. فهو أديب الفكرة لا أديب العبارة. وإن كانت عبارته في مكانها العلي من لغة العرب لأنه يقرأ كما قلت لك كثيراً ويفيد مما قرأ كثيراً
وفي موضوعات على أدهم لذة؛ لأنه يعرف كيف يختارها ويعرف كيف يعرضها؛ ويعرف في النهاية كيف يقنعك برأيه ويكسبك إلى صفه. وتحس وأنت تقرؤه أنك تقرأ أفكار الحكماء مجموعة في كتاب ومضمومة في أهاب، وهو مع ذلك متواضع، لا يدعي أنه من العلماء المختصين ولا من الحكماء الموهوبين (ولكني أحب أن أسير في أثار هؤلاء الهواة الذين راقهم أن يعرفوا أشياء عن الطبيعة الإنسانية، وشاقهم حب التطلع والاستبانة)
وهو في النهاية ليس خياليا ولا (يوتوبياً). ولكنه واقعي يصف الواقع ويعلل له.
٤ - الإنكليز كما عرفتهم:
(للأستاذ أمين المميز من رجال السلك السياسي العراقي)
تفضل الأستاذ الكبير الزيات فأعارني هذا الكتاب لقراءته والحديث عنه. ثم تفضل المؤلف الفاضل نفسه فأهدى أليّ نسخة منه عن طريق صديقنا الأديب الوفي السيد محيي الدين رضا، فأتيحت لي بذلك فرصتان لقراءة هذا الكتاب الطريف المفيد الممتع
ولقد عشت في إنكلترا حقبة من الزمان، فما ازعم لنفسي أنني عرفت من أحوال القوم وأمورهم وألوان الحياة عندهم ما عرفته من هذا الكتاب.
وكان مصدر المؤلف في كتابه شيئين: التجربة والقراءة فقد عاش في إنكلترا مدة وخالط أوساطها الراقية بحكم منصبه، كما خالط أخلاطا من القوم دون ذلك بحكم نيته في التأليف. وقرأ كثيراً عن الإنكليز وبلادهم وتاريخهم وعاداتهم مما كتبه الإنكليز أنفسهم، أو مما كتبه عنه غيرهم
ومن هنا كانت مراجع الكتاب كثيرة تبلغ بضع عشرات من الكتب لبضع عشرات من الكتاب أمثال بابكر وبرادلي وهاملتون وروم لانداو ومورتون وغيرهم