فكان لا بد من تقصير مدة التجلية تقصيرا كبيرا كان تكون مدة التجلية جزءا من مائة من الثانية أو من مائتين، ولما كانت اليد الإنسانية لا تستطيع كشف العدسة وتغطيتها بهذه السرعة كان لا بد من ابتداع غطاء تحركه قوة آلية كقوة الزنبركات مثلا، وتدخلت الكيمياء لتزيد في حس الأفلام لكي تتأثر بالضوء في المدة القصيرة الجديدة. وتقدم الإنسان في اختراع الكمرات السريعة حتى أصبح تصوير المتحركات أمراً سهلا لا يكلف تعبا ولا إجهادا، وأصبح مألوفا حتى لا يثير استغرابا ولا إعجابا. وصرنا نحلل بها حركات الحيوان لنعرف منها تفصيل سيره، ونحلل حركات الطائر لندرك منها كنه طيره، وصرنا نجمع هذه الوحدات التي تحللت إليها الحركة، والعناصر التي تقسمت إليها أفعال الحيوان والإنسان، فنعرضها على الشاشة البيضاء متتابعة متواصلة، فنحكي من حوادث الوجود ما نشاء أين نشاء ومتى نشاء.
ولكن من حوادث الوجود ما يحدث في مدد قصيرة تنافس العين في لحظتها والخاطر في لمحته، فلا بد من تقصير مدة التجلية إلى ما يسبق لحظة العين ويقاصر لمحة الخاطر، وإذن فلا بد من الزيادة في حساسية الافلام، ولا بد من زيادة الضوء حتى يزيد على ضوء الشمس، فجد الباحث بعد الباحث، وعاون المفكر المفكر، وتضافر الطبيعي والكيميائي، والرجل النظري والرجل التطبيقي؛ حتى جاءت الأنباء حديثاً بأسرع كمرة عرفها الزمن، كمرة إذا صدقت الأخبار العاجلة تصور الصورة في جزء من أربعين ألفا من الثانية، اخترعها أستاذان من أساتذة معهد الصناعات بماساشوسيت بالولايات المتحدة، وهي تعتمد بالطبع على فلم شديد الحس، ولكن اكبر اعتمادها على دورة كهربائية تستطيع أن تحدث برقة ضوئية أسطع من شمس الظهيرة مرات وهي تعدل في شدة ضوئها ٤٠٠٠٠ مصباح كهربائي مركزة كلها في صعيد واحد، قوة الواحد منها خمسون واطاً.
وقد استطاعا أن يصورا بها أموراً عدة لا تستطيع أن تصورها الكمرات السريعة المعروفة، نذكر من ذلك صورة للماء النازل من الصنبور، فهذا يخرج تحت ضغط وتسير قطراته في السيل المندفع بسرعة كبيرة، وإلى هذا فهي تتحرك في كل جهة بحركات تختلف سرعاتها باختلاف تدافع القطرات واتجاهها، وتراها في الصورة المرفقة كأنما قال