لها الله اجمدي مكانك فجمدت، وتراها على غير ما تراها العين من الانسجام والملاسة.
ومن ذلك صورة للمضرب إذ يضرب به اللاعب الكرة في اللعبة المعروفة بالجلف، فأنك ترى الكرة المصنوعة من المادة الصلبة القوة قد انبطحت من قوة الضربة؛ ولأن انبطاحها لا يستغرق الا جزءاً من الثانية في غاية الصغر كان من المتعذر على العين أن تراه؛ وكان من المتعذر على الكمرات العادية أن تسجله. وبقي أمراً مفروضا حتى أتت الكرة السريعة فجعلته رأى العين، والعين جهيزة الحجج، إذا رأت قطعت قول كل خطيب.
على أنه لا يفوتنا أن ننبه إلى أن كل صورة لشيء متحرك، مهما كان نوعها، وبأي كمرة صورت، ما هي الا مجموعة من صور لا حصر لعددها. هب أنك أخرجت يدك من جيبك فوضعتها تحت ذقنك؛ وهب أن هذا حدث في ثانية واحدة، فأنك لتجد يدك اتخذت عدداً من الأوضاع لا حد له. فما دامت يدك في حركة مستمرة ففي كل أجزاء الثانية، مهما صغر، وضع خاص به يختلف عن وضع الجزء الذي يليه من الثانية، ومن الطبيعي أننا كلما زدنا في التجزئة قل الخلاف بين أشكال هذه الأوضاع العديدة حتى تعجز العين الإنسانية عن إدراكه. فصور الكمرة السريعة المرفقة هي في الواقع عدة من صور عجز حس الإنسان عن إدراك الفروق بينها، فحس الإنسان لدقائق المكان محدود، كما أن حسه لدقائق الزمان محدود.
ولعل هذا التثلم في الإحساس نعمة من نعم الله، ولو أن هذه الحدة في الإحساس بالزمان والمكان أعطيت لي هبة لترددت كثيراً في قبولها، لأني إن قبلتها لم أجد في الكون شيئا ناعماً، حتى أكثر المرايا انصقالا تصبح في عيني كسطح الصخرة المتهشم، ولأني أن قبلتها تراءت لي الدنيا تموج بمخلوقات أنا الآن عنها أعمى، وتكشف لي في طيات الدنيا التي أعرفها وفي حواشيها دنى أنا سعيد بجهلها، ولأني أن قبلتها لم يكن للفظة السكون موضع من قاموس لغتي، ولأصبحت أحس في هدوء هذا الليل وأنا أكتب هذه الكلمة على مكتبي هذا الساكن، وفي حجرتي هذه الهادئة كأني اكتبها في عربة رجراجة من عربات الترام إذ تمر نهاراً في أشد أحياء المدينة صخباً وجلبة، وأخيراً لأني أن قبلتها وقبلت زيادة الإحساس بالزمن أصبحت ثانيتي ساعة وأصبحت ساعتي سنة وسنواتي ألوفاً.