ولكن مع أن نظام الدراويش يرجع إلى أيام الإسلام الأولى، فإن تنظيمهم ذلك التنظيم الرائع الذي ظلت عليه طول هذه القرون، يرجع الفضل فيه إلى سيدي عبد القادر الكيلاني (من رجال القرن السادس الهجري). ومن هنا كانت الطريقة القادرية هي الطريقة الأصلية، وعنها تفرعت طريقتان رئيسيتان هما السعدية والرفاعية. ويشتهر رجال الطريقة الأخيرة بوسيلتهم الغريبة في التغلب على الآلام وقهرها، إذ يمشون على النار ويلتهمون الجمر ويأكلون الزجاج ويبتلعون الحيوانات السامة وما إلى ذلك دون أن يصيبهم أدنى ضرر أو أذى.
فهذه الطرق الصوفية وغيرها (وفي مصر حوالي مائة طريقة) هي التي تحتفل في الواقع بالموالد احتفالا دينيا له صبغته الخاصة، وهي التي تضفي على الموالد ثوبا رائعا مميزا. ففي كل ليلة من ليالي المولد تتوجه بعض هذه الطرق إلى المسجد فتعقد حلقات الذكر والإنشاد حتى ينقضي شطر كبير من الليل؛ ويستمر ذلك طيلة المدة المرخص بها للاحتفال - وهي أسبوع في العادة - حتى تأتي الليلة الأخيرة - أو ليلة الخاتمة - وهي الليلة التي يفترض أنها ليلة ميلاد الولي، فتتجمع الطرق الصوفية كلها في إحدى الساحات أو الميادين ثم تنتظم على شكل (زفة) يتقدمها رجال البوليس وفرق الموسيقى، وينتظم فيها (أولاد أبو الغيط) وهم يرقصون رقصاتهم الجميلة، والدراويش بملابسهم الملونة الزاهية (وطراطيرهم) الخضراء، كما يسير فيها أيضاً بعض الحواة والمشعوذين. . . وتتقدم كل طريقة البيارق (جمع بيرق) التي تدل عليها، وقد نقش عليها أسماء النبي (ص) والخلفاء الراشدين، أو اسم الطريقة واسم مؤسسها والطرق الصغيرة المتفرعة عنها، وتسير الزفة - وقد توسطها الخليفة - متجهة نحو ضريح الولي في ضجة كبيرة تختلط فيها أنغام الموسيقى بقرعات دفوف الصوفية وأصوات (الكاسات) و (النقارات) بنغمات الأرغول و (الزمارة) وغير ذلك من الآلات الموسيقية التي يستخدمها الصوفية والدراويش. ويتوقف موكب الزفة من أن لآخر في الطريق كي يتسنى للناس في المنازل التفرج والمشاهدة؛ وبعد لأي تصل (الزفة) إلى المسجد. . . وهكذا يختتم المولد وتنتهي لياليه، ويصبح الصباح فإذا الزينات ومعالم الأفراح قد زالت وعاد كل شيء إلى ما كان عليه. آخر زيادة على على المدة المصرح بها رسميا؛ ويذكر ماكفرسون إنه كان يعجب أشد العجب ويتساءل