ومملكة في القدس. وكان لفرنسا شأن كبير في هذه الحروب، وهي تعد هذا الشأن أصل ما تدعيه سياستها من ذكرى وآثار تتعلق بآسية الصغرى وسورية وفلسطين ومصر، ودخلت تلك الدويلات المسيحية في معاملات تجارية، فأخذ تجار جنوة والبندقية وبيز ومرسيلية يتاجرون في الثغور السورية
ثم جاء استيلاء العثمانيين على قسطنطينية ضربة شديدة في تجارة جنوة. ولم تكن فرنسا ولا إنجلترا ولا هلانده ولا البرتغال قادرات يومئذ على منافسة البندقية في الشرق، فاحتكرت هذه الجمهورية التجارة في جميع البحر المتوسط احتكاراً عملياً. وقد أيد ثراء البندقية العظيم عجائب أذاعها رجال الدين والتجار الذين حملوا أنفسهم على أخطار التوغل في آسية من مفتتح الحروب الصليبية، ووصفوا الوفر من الثروات في بعض جهات القارة الأسيوية، فحاول شعوب أخر أن يستدركوا ما أصبح عليه البنادقة من احتكار التجارة الشرقية؛ ولذا عالجوا افتتاح طريق جديد إلى الهند من الشرق أو من الغرب. وأحدثت سياحة فسكوده جامه انقلاباً تاماً في علاقات أوربة بآسية، فقرر البرتغاليون أن يحتكروا كل تجارة فارس والهند وأرخبيل الملايو احتكاراً عملياً بتحويلها إلى لشبونة من طريق رأس الرجاء الصالح الجديد، ولما ضمت أسبانيا البرتغال انتقلت تجارة المحيط الهندي شيئاً فشيئاً إلى الهلانديين، ولم يلبث الإنجليز والفرنسيون أن نافسوهم في الخليج الفارسي، ثم تنافس الفرنسيون والإنجليز من ذلك العهد على طرق الشرق الأدنى التجارية
إن آسية وأفريقية أوسع ميادين الاستعمار، وهما أسواق ومستغلات، والهند أعزها لدى إنجلترا، وقد وضعت مشروعات فرنسية لغزوها على عهد بونابرت وقبله. فأصبحت الهند في القرن التاسع عشر العامل الموجه للسياسة البريطانية في الشرق الأدنى. كانت بريطانيا تخشى على الهند غزوات المستعمرين من طرق سورية وقزوين ونهر أكسوس، فلم تنتفع قبل الحرب الكبيرة الماضية إلا بالطريق البحري؛ وظلت مدة ضعف الدولة العثمانية وطيلة القرن التاسع عشر تحول دون الانتفاع بالطرق الأرضية: إذ اجتهدت في إبعاد فرنسا عن مصر وسورية وبلاد العرب، وفي منع روسيا من تثبيت قدمها على الخليج الفارسي، ومن الاستيلاء على إيران والأفغانستان وبلوخستان، ونحت بعزم كل دولة منافسة عن هذا الخليج. وكانت في آخر القرن الماضي قد أتمت احتلالها المواقع الحربية فيه: