فجعلت خمسة عمال سياسيين من إنجليز الهند ساهرين منذ تلك الأيام على المصالح البريطانية في مسقط والكويت والبحرين وبندر عباس وبندر بوشير، وسلطة هؤلاء العمال تعتمد على أسطول صغير قوي وفرقة من الجنود الهندية معسكرة في جسق بمدخل الخليج الذي ردته بذلك بحيرة إنجليزية، فصار ميسوراً على الدوام أن تجتازها حملة إنجليزية تسرع من الهند صوب شط العرب لتنقض من خلف وجنب معاً على كل جيش يقصد الهند من طريق الفرات. وقد حصلت إنجلترا من تركيا بالمعاهدة السرية المعقودة في ٤ يونيه عام ١٨٧٨ على حق الحلول بقبرص، وهذه الجزيرة موقع حربي من الطراز الأول يسمح لها بمراقبة الفرات والإشراف على خليج الإسكندرونة وصد الروس عن طريق فلسطين، إذ كان الممثلون الروسيون يطلبون حماية الأرثوذكس فيها برغم معاهدة عام ١٨٥٦ التي ختمت حرب القرم
طال عهد التنافس بين إنجلترا وفرنسا في الشرق الأدنى، ولم ينته في مصر إلا بالاتفاق الودي عام ١٩٠٤، لكن هذا الاتفاق لم يحدد مصالح الدولتين في سورية. لذا ظل رجال الاستعمار البريطاني والموظفون الإنجليز في مصر يعدون أن سورية سوف تصير حلقة بمصر. وقد كانت سياحة السير ألدن غورست عام ١٩٠٩ في سورية المطموع فيها سبب إشاعة اضطرت فرنسا إلى طلب بيان عنها من إنجلترا. واتفق الدولتان في ديسمبر عام ١٩١٢ على مصالحهما في ذلك القطر، وحصلت فرنسا بعد من تركيا على امتيازات أزعجت بعض الإنجليز، فقام السير مارك سايس في مجلس العموم يشكو من تأمين فرنسا باتفاق عام ١٩١٢، ومن الطريقة التي أولت بها هذا التأمين. فأجاب وزير الخارجية البريطانية بأن الحكومة باقية على سياسة حفظ كيان الإمبراطورية العثمانية، وإن ذلك التأمين إنما كان تهدئة لفرنسا، ولم يقصد به غير مصالحها الاقتصادية فيما يتعلق بالسكك الحديد، ولم يكن في الأمر تعيين مناطق نفوذ؛ وإن الحكومة لم تفعل ذلك إلا تكذيباً لشائعة أراد بها ناشروها أن يثبتوا أن سعي بعض الموظفين البريطانيين مآله ضم سورية إلى مصر
ويوم نهضت ألمانيا نهضتها لم تلبث أن نظرت بعين الاستعمار إلى الشرق، خصوصاً بعد مؤتمر برلين لعام ١٨٧٨، حيث أيدتها إنجلترا، إذ كانت مشغولة بإبعاد روسيا عن استنبول