للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قبل كل شيء. وسرعان ما وضعت ألمانيا برنامجها لتحقيق أطماعها على مبدأ (الزحف إلى الشرق) وهو برنامج بدأ يتضح منذ حصلت على امتياز السكة الجديد البغدادية. . لم تدرك ألمانيا اقتسام أفريقية، فاتجهت إلى آسية حيث أرادت أن تتخذ مناطق إمبراطورية، أو شبه هند ألمانية تجعل الأناضول وقيلقية وما بين النهرين جميعاً أرضاً جرمانية ومستعمرة عظيمة للإسكان يمكن أن تنتشر فيها الثقافة الألمانية. وأن تصير أيضاً أسواقاً كبيرة الشأن لمصنوعات ألمانيا. وقد كانت مصانعها راغبة في إنتاج أطنان من القضبان والمواد المختلفة لإنشاء سكة حديد عظيمة تخترق آسية الصغرى إلى الخليج الفارسي، وترسل فروعها إلى البحر المتوسط والقوقاز وإيران

رأت ألمانيا، في سبيل تنفيذ برنامجها، أن توحي إلى السلطان عبد الحميد أنها صديقته الوحيدة، وأن مستقبل دولته في البلاد العربية وفي ظل الخلافة، إذ كان يومئذ يشعر بانهيار نفوذه في أوربة، ويجد أن كل دولة غربية اقتطعت حصة من إمبراطوريته فسعت ألمانيا في أن تجعل نفسها الحامية المتعينة للإمبراطورية العثمانية، وأن تجتهد في توطيدها بتشجيع الجامعة الإسلامية، وإعادة تنظيم الجيش التركي وإسداء المشورة للسلطان في سياسة سكك حديد الغرض منها تسهيل التعبئة واحتشاد الجنود في مكان الحاجة

أما الأماني الروسية ومصالح إنجلترا وفرنسا المستديمة منذ أجيال في الشرق الأدنى، فلم تكن نية الألمان أن يصدموها رأساً، ولذا لم يذكروا الاستعمار ولم يكن في كلامهم الرسمي سوى إحياء الموات في أملاك عثمانية وتحويل ذلك القواء الفسيح، بعد خصب واكتظاظ بالسكان إلى أراض اقتصادية، فتستفيد حينئذ مصالح الجميع من عمل ألمانيا. ومتى يمتد الاستعمار الألماني من بعد إلى سهول ما بين النهرين الكلئة، وتصل السكة الحديد إلى الخليج الفارسي ينادي القيصر يومئذ بأنه سيد الحقيقي للإمبراطورية العثمانية ويعلن حقوقه في آسية الوسطى

غير أن إنجلترا لم يكن في استطاعتها أن تقبل مد السكة الحديد من بغداد إلى الخليج الفارسي، وهي تجتهد منذ قرن في أن تجعله بحيرة إنجليزية، ولم تكن في غناء من جهة أخرى عن الأشراف على مصب شط العرب لضرورة أن تمر به السكة الحديد التي كانت تحلم بمدها إلى الهند. من أجل ذلك حالفت الشيخ مبارك، شيخ الكويت، فنزل لها سراً عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>