حول محورها مرة في كل يوم، وأنها ستمضي في الشروق والغروب ما بقيت الأرض أرضاً والسماء سماء؟ إنك لا تشك في صحة هذه الحقائق، ولعله لا يرضيك أن تراها يوماً موضعاً للشك، ولكنك يا صاح لا تكاد تصوب نحو أي منها أشعة التفكير، حتى يتبدد ذلك اليقين هباء، ويندك من أساسه حيث يسلم بناءه لمعول الشك يعمل فيه، فلا يرتفع عنه إلا وهو أنقاض لا تغني ولا تفيد.
وضرب صاحبي بقبضة يده فوق المائدة وقال: خذ هذه المائدة مثلاً! أفتشك في أنها مصنوعة من خشب قد طلبت باللون الأصفر، وأنها مستطيلة الشكل ناعمة الملمس؟ فناظراك ينقلان إليك لونها وشكلها، وأناملك تحس نعومة صقلها، وأذناك لا يخطئان رنين الخشب إذا ما نقرت ظهرها بإصبعك، ومن تلك الحقائق الجزئية التي سلكت إلى ذهنك هذه الطريق أو تلك تكونت في نفسك صورة للمائدة قوية واضحة، تستطيع أن تستعيدها على صفحة الذاكرة كاملة، إذا ما حال بينك وبينها حائل
ولكن من أدراك يا صاح أن هذه المائدة موجودة فعلا؟ أفلا يجوز أن تكون الحواس خادعة تبدع لك وجوداً من عدم؟ هل يبعد أن يكون اللون من خلق البصر، بل وأظنه كذلك عند العلم والعلماء الذين يستمع إلى قولهم إذا قالوا، فهم لا يعترفون بأكثر من موجات، تطول حيناً وتقصر حيناً، فتتلقاها العين ثم تأخذ في ردها إلى هذا اللون أو ذاك، وإذن فالعلم - وهو جهينة هذا الجيل - ينكر أن يكون للون وجود في الواقع. . . وقل مثل ذلك في صوت هذه النقرة التي بلغت أذنيك فأنبأتك بأنها للوح من الخشب، فهي الأخرى موجات صامتة في الواقع، صائتة في أذنك أنت!. . . وهكذا تستطيع أن ترد ما تنقله إليك الحواس جميعاً عن حقيقة المائدة، وإذن فهي وهم تآمرت على نسجه الحواس، ليس له وجود حقيقي في العالم الخارجي
وهبها حقيقة موجودة لاشك في وجودها، فهل تراك تعلم من أمرها شيئاً؟ أنعم النظر في لونها الذي خيل إليك للنظرة الأولى إنه أصفر، ألا ترى أشعة من الضوء تنعكس على سطحها الصقيل، فانقلب في بعض المواضع أبيض أو قريباً من الأبيض؟ در حول المائدة ينتقل موضع الضوء، وإذن فلون المائدة يختلف باختلاف موقفك، فلو جلس حول المائدة عشرون شخصاً، وأمسك كل واحد لوحة ينقل فوقها المائدة بلونها كما يراها، لاجتمع لديك