عشرون رسماً لا يشبه بعضها بعضاً، فأين الحقيقة بين هذه العشرين؟ إني لأرى شفتيك تفتران عن ابتسامة ساخرة من هذا الهراء، أو ما تحسبه أنت هراء، ولكنه حق لاشك فيه، فلو رضت عينك على النظر إلى الأشياء بحيث ترى ما يقع عليها من مختلف الألوان، إذن لرأيت لكل شيء عشرات وعشرات من الألوان المتباينة، لا يأبه لها النظر السريع، ويدركها الرسام في جلاء ووضوح. . . لقد شاهدت مرة في معرض أقامه مصور فنان، لوحة تصور منظراً للنيل عند أنس الوجود، فوجدته قد خلع على الماء مجموعة من ألوان لا تراها العين، أو على الأصح يخيل إلى العين أنها لا تراها - فسألته: أين رأيت هذه الألوان التي صبغت بها لوحتك، فأجاب: رأيتها على صفحة الماء، وهو صادق فيما يقول
فليس لون المائدة أصفر وإن لك أنه كذلك، لأنه يختلف مع الضوء وحدة البصر، كما ينعدم في حلكة الليل، وإذن فليس هو صفة لازمة للمائدة في كل وقت وعند كل عين، إنما يتوقف على موقف الرائي والضوء الساقط، كما يتوقف على المائدة نفسها
دع اللون وابحث في نعومة السطح، فعينك المجردة العارية قد تراه صقيلا لامعاً، لا غضون فيه ولا التواء، فإذا ما نظرت إليه خلال المجهر، رأيت سهولا وحزوناً وهضاباً ونجاداً، وكلما ازداد المجهر حدة ازداد السطح تغضناً وخشونة، فأين حقيقة السطح إذن؟ أهو وعر كثير المسالك كما يبدو خلال المنظار؟ أم مستو صقيل كما تراه العين المجردة؟ لا أحسبك تستطيع أن تقطع في هذا بقول صحيح!
ثم انتقل إلى شكل المائدة وحدثني ما هو. . . وإن زعمت إنه مستطيل فمن ذا أنبأك بهذا؟ انك لا ترى استطالة السطح إلا في موقف واحد، وهو أن تنظر إليه من أعلى نظراً عموديا لا يميل، وقل أن يحدث هذا. . . خذ قلما وقرطاساً وحاول أن ترسم سطح المائدة وسترى عجباً، فلن يبدو لك السطح مستطيلا كما تظن بل ستراه يضيق من ناحية أخرى، وكلما نزل مستوى بصرك أو صعد تغير الشكل المنظور، وكلما تحركت قيد شبر واحد تغير شكل المائدة. . . فلو وقف في الحجرة ألف شخص ورسم كل واحد منهم المائدة كما يراها، كان لديك ألف شكل لا يشبه واحد منها الآخر، فهل لشكل المائدة حقيقة واحدة أم ألف من الحقائق؟!
ثم تعال معي نخبرها من حيث الصلابة والليونة. . . اضغطها بين إصبعيك فماذا أنت