واللوعة الحرى، حتى أن البعض خشي عليه أن ينتحر، مع العلم بأنه معدوم النسل والأخوة ليخلفوه. واستمر يومين منقطعاً عن الأكل مكباً على وجهه عند أرجل السرير الذي أضطجع عليه جسدها الفاتن، ثم نهض وأصاب شيئاً من الطعام، وانطلق في سكون انطلاق من آلي على نفسه أن يعمل عملا عظيما، وأمر أن يوضع جسدها في نعش من الرصاص الممزوج بالفضة، وأن يوضع هذا بدوره في نعش آخر من أغلى الأخشاب التي تعبق بالعبير، وأن يكسى بالذهب، وأن يكون حول ذلك كله نعش من الرخام المعرق المرصع بالزبرجد. وبينما كان العمل جارياً، دأب على قضاء معظم أوقاته بجوار الغدران، وفي المنازل ذات الرياض، وفي الخيم والغابات، وفي غرف القصر تلك التي شاهدت مراتع فتونهما، متأملا في حسن تلك التي فقدها، ثم إنه لم يمزق ثيابه ولم يحث الرماد على نفسه، ولم يتشح بالحداد كما كانت العادة، لأن حبه كان أسمى من أن يتسع لهذا الشطط، وأخيراً عاد إلى مستشاريه والى شعبه، وأدلى إليهم بما كان مزمعاً أن يفعله
قال إنه لم يعد بمقدوره أن يقرب امرأة، بل إنه لا يحتمل حتى التفكير في النساء، ولذلك سيحاول إيجاد فتى لائق ليتبناه وليدربه كي يكون خلفاً له، وإنه سيواصل القيام بأعباء الإمارة كما يليق به، على إنه سيركز قواه بقدر استطاعته، وسيخصص جميع ثروته وكل ما يمكنه حشده، ليشيد ضريحاً لمالكة فؤاده الغالية التي لا مثيل لها، وستكون بناية ذات حسن مكتمل وجمال بالغ، بحيث تفوق أية بناية أخرى شيدت في الماضي أو ستشاد في المستقبل، ولتكون أعجوبة إلى الأبد، وليحتفظ بها البشر كنزاً ثميناً، حتى تتناولها الألسن بالإطراء، وتشتد الرغبة في مشاهدتها، ولتكون نجمة الرواد من جميع أطراف الأرض، فيظل اسم معبودته وذكراها حيين ماثلين للعيان، وأضاف أن هذه البناية سيطلق عليها اسم (لؤلؤة الحب)
وقد رضى مستشاروه وشعبه بأن يفعل هذا وقد فعله!
وتتابعت السنون وهو قاصر نفسه على تشييد (لؤلؤة الحب) فحفر لها أساس شق بين صخور في مكان تلوح للناظر منه الثلوج المخيفة التي تكلل الجبال. . . وعلى مقربة كانت تظهر بعض القرى والتلال ونهر كثير التعاريج، وبعيداً قامت ثلاث مدن عظيمة. وضع النعش الرخامي المعرق في بناية شيدت بمهارة وأحيطت بعمد من حجارة جميلة غريبة