فدستور لبنان المعمول به حتى اليوم ما برح مؤسساً على الطائفية البغيضة. فالمقاعد النيابية والوزارات والوظائف الحكومية كلها موزعة على الطوائف حسب تعدادها كأن لبنان شركة استثمارية يتقاسم ريعها المساهمون لا وطناً موحداً مجموع الكلمة، يعمل بنوه لإعلاء شأنه وإنماء موارده ويحكمه منهم من يستحق الحكم وينوب عنهم من يستأهل النيابة دون نظر إلى المذهب الذي يدين به والطائفة التي ينتمي إليها.
أما السياسة فهي داء العالم أجمع لا علة لبنان وحده، غير أنها أمست اليوم متفشية بين سكانه تفشياً ينذر بأوخم العواقب؛ ولبنان بلد صغير لا يتسع لميدانها ولا يتحمل مشاكلها وآفاتها. والسياسة بؤرة فساد ما دخلت أمة إلا هتكت حجابها، وما ملكت شعباً إلا فرقته شيعاً تتنافر وأحزاباً تتقاذف وتتباغض.
إن رسالة لبنان الموروثة هي غير رسالة السياسة أو رسالة التمسك بأهداف الطائفية. هي رسالة عالمية صرفة، تشمل العلم والعمران، وتستهدف الحضارة المتصلة بالمادة والروح المشعة في جوانح الشرق والغرب، المنبعثة في الوجدان الحي في الإنسان، لا من الشيطان المتحفز في غريزته.
فليس للبنان المقيم أي مستقبل مجيد بدون نبذ السياسة والطائفية معاً وبدون اهتدائه إلى حكومة رشيدة تعمل في حقل العلم والعمران دون سواهما.
فلبنان في الشرق كسويسرا في الغرب بلد اصطياف واستشفاء. ووطن علم وثقافة، يحتاج إلى تحريج جباله، وتجميل مدنه وقراه، وتعبيد طرقه، وتوفير الري في بقاعه، وتصميم الفنادق الحديثة الطراز في مصايفه، ونشر العلم في ربوعه.
وهو بلد عربي الوجه واللسان، غربي الفكر والثقافة يرتبط بالشرق بروحانيته وعروبته ويتصل بالغرب بعلومه وفنونه.
وما أجمل هذا الاتصال والارتباط حيال الوحدة العالمية التي ينشدها الإنسانيون ويحلمون بتحقيقها!