الجماجم والأشلاء، بل كانوا يعرفون حق المعرفة أنه لن يستطيعوا الاحتفاظ بدولتهم إلا بالسير على الطريقة التي ساروا عليها حتى صاروا خلائف في الأرض.
كان الأمويون في ملكهم يعتمدون على العرب ويسيئون الظن بالفرس، ويلقونهم بكثير من ألوان المهانة والاضطهاد ما احفظ الفرس عليهم بل على العرب جميعاً لأن هؤلاء العرب فتحوا بلادهم وثلوا عرشهم واتخذوهم موالي يمتهنونهم ويرون أنفسهم اكرم منهم عنصراً وارفع مقاماً. ولقد ظهر حقد الفرس على العرب منذ فتحوا بلادهم في عهد عمر بن الخطاب فالتاريخ يحدثنا أن الهرمزان حين وقع أسيراً في يد أبي موسى الأشعري عند فتح تستر أرسله إلى الخليفة عمر ليحكم فيه حكمه فكان ما كان من إبقاء عمر عليه وإسلامه وحياته في المدينة كما تحيا العامة، وأنه كان، حين تأتيه في المدينة، أخبار فتوح العرب لفارس وهزائم الفرس، يتميز من الغيظ، وإن حقده قد زاد لما كان يراه من وفود أبناء جنسه أسارى إلى المدينة واتخاذ العرب إياهم موالي وخدماً، فلما كان وفود سبي جلولاء كان الهرمزان يمسح برؤوسهم ويقول:(أكل كبدي عمر) مما يدل على أن النعرة الفارسية ظهرت منذ فتح العرب بلاد فارس، وما كان قتل عمر إلا مؤامرة فارسية لكيد العرب نفذها أبو لؤلؤة وظل الفرس ينقضون على الدولة الأموية كلما أمكنتهم الفرصة حتى كانت ثورتهم الكبرى باسم العباسيين تحت قيادة أبي مسلم الخراساني فدكتها دكا.
وإذا كان الخليفة عمر ومن بعده عثمان وعلي قد أحسنوا السيرة فيهم اتباعاً لأوامر الدين مما خفف عن الفرس ما كان يعتلج في قلوبهم من الحقد والضغينة - فإن الخلفاء الأمويين لم يساووهم بالعرب كما أمر الدين بل كانوا يحتقرونهم وينزلونهم منزلة العبيد بالرغم مما عرفوا لهم في أيام استقلالهم وفي أيام الأمويين أنفسهم من حضارة ورقي في جميع مرافق الحياة والفكر حتى في الدين الإسلامي واللغة العربية.
كان الأمويون برغم كل الاضطرابات التي تكبدوا مشقاتها يثقون بالعرب كل الثقة فبالعرب أقاموا دولتهم، وبهم حافظوا عليها من العرب والفرس جميعاً.
أما العباسيون فلم يظفروا باطمئنان كاطمئنان الأمويين وثقتهم بعنصر يعتمدون عليه إزاء ما يكر بهم من الخطوب في نضالهم عن دولتهم، بل في إقامتها قبل أن تكون.
كان العلويون والعباسيون وهم آل البيت النبوي قد قاسوا ومن الدولة الأموية ألوانا قاسية