من الظلم والاضطهاد، وكان نصيب العلويين من ذلك أوفى نصيب، فكانوا يلعنون على المنابر طيلة العهد الأموي إلا نحو عام في عهد عمر بن عبد العزيز الأموي، وكانوا يراقبون في كل حركاتهم وسكناتهم، ويقابلون كلما رفعوا رؤوسهم بقتل الرجال وسبي النساء والأطفال، مع اعتقادهم أنهم أولى من الأمويين بخلافة النبي عليه السلام، وكان العرب يشهدون هذه الشنع دون أن ينصروهم على هؤلاء المغتصبين بل كانوا يعينون المغتصبين على ظلمهم وقتلهم والتمثيل بهم، وتشريدهم في الآفاق جزاء ما كان الأمويون يبذولنه لهم من العطايا السخية.
ولقد كان كل أولئك مما أحفظ آل البيت على العرب، وأيأسهم منهم، فلما آلت إلى العباسيين قيادة الدعوة السرية لدك الدولة الأموية كانوا يحملون في قلوبهم للعرب كل حقد وضغينة، وليس أدل على يأس العباسيين من العرب مما أوصى به محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أول من آلت إليه قيادة الدعوة السرية من العباسيين، حين وجه دعاته إلى الأمصار، قال لهم:(أما الكوفة وسوادها فشيعة علي وولده، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف تقول: كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل، وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون في أخلاق نصارى، وأما أهل الشام فليسوا يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان وعداوة راسخة وجهل متراكم، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر، وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم يتورعها الدغل، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحي وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة، وبعد فأني أتفاءل إلى المشرق، والى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق).
وهذا كلام رجل أقل ما يقال فيه أنه يتكلم عن فهم عميق واستقراء شامل، فهو يائس من نصرة كل الأقطار التي سكانها أو معظمهم من العرب، ولا أمل له إلا في خراسان الفارسية.
وليس أدل على بغض العباسيين للعرب وحقدهم عليهم من أن إبراهيم بن محمد بن علي السابق ذكره - لما آلت إليه القيادة بعد وفاة أبيه محمد بن علي - قال لأبي مسلم