الخراساني حين أمره على خراسان:(يا عبد الرحمن، أنك رجل منا أهل البيت فاحفظ وصيتي، وانظر هذا الحي من ربيعة فاتهمهم في أمرهم، وانظر هذا الحي من مضر فانهم العدو القريب الدار، فاقتل من شككت فيه، ومن كان في أمره شبهة ومن وقع في نفسك منه شئ؛ وإن استطعت ألا تدع بخراسان لسانا عربيا فافعل، فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله).
وقامت الدولة العباسية ولكن لا بقوة العرب بل برغم أنوف العرب، فزاد ذلك العباسيين حقداً وضغينة عليهم، وأحسوا بما يحسه كل مظلوم نحو من ظلموه بعد أن انتصر عليهم، أحسوا نحو الأميين خاصة والعرب وهم معاونوهم في ظلمهم عامة أنهم أعداؤهم الذين لا يجوز لهم أن يراقبوا في الثأر منهم إلا ولا ذمة، ولا ينبغي أن يرعوا لهم حرمة فأسرفوا في سوء الظن وأسرفوا في القتل وانتهاك الحرمات وإهدار الحقوق، وأحلوا بينهم وبينهم الجفوة محل المودة، والقطيعة محل التواصل.
ولقد يروق لبعض المؤرخين أن ينسبوا إلى العباسيين أنهم إنما اعتمدوا على الفرس بعد نجاحهم ثقة بهم أو مثوبة لهم على معونتهم، وليس هذا من الصدق في شئ فما كان اعتماد العباسيين على الفرس قبل قيام دولتهم إلا تجنبا للعرب بعد أن يئسوا منهم كما يظهر من كلام محمد بن علي الذي نقلناه آنفا، وإلا خوفا منهم وريبة فيهم كما يظهر من وصية ابنه إبراهيم الإمام لأبي مسلم الخراساني، وما اعتمد العباسيون على الفرس بعد نجاح الدعوة ثقة منهم بهم أو مثوبة لهم بل خوفا من العرب وريبة فيهم أيضاً، وهذا ما أدى إلى ضياع العرب في الدولة الجديدة، وما وثق العباسيون بالفرس ولا أرادوا مثوبتهم حين قربوهم في دولتهم بل كانوا يحذرونهم كما يحذرون العرب ويرقبون الشرور منهم كما يرقبونها من العرب، وإن كانوا لا يطيقون إبعاد الفرس كما أطاقوا تنحية العرب. واعتقد أن هذا لم يكن يخفى بحال على مؤسس الدولة العباسية فما كان أبو مسلم الخراساني - كما يظهر من حوادثه - بالرجل الزاهد في السلطان، وإعادة دولة الفرس متى أتيح له ذلك، وما تكبد للعباسيين ما تكبد حبا فيهم ولا إيمانا بوجوب نصرتهم، ولا ابتغاء وجه الله ورضا محمد عليه السلام، فلم يكن العباسيون كما لم يكن الأمويون عند أبي مسلم بأحق بالخلافة من العلويين ما دام الأمر أمر قرابة من النبي، وإنما نصر العباسيين دون العلويين لأن هدم