أولئك أيسر من هدم هؤلاء. والحجة التي أمكنه أن يتذرع بها لخلب الباب الجيوش حتى هدم الدولة الأموية حجة لا تزال ناهضة تجاه العباسيين ومن اليسير أن يتذرع بها لهدمهم. تلك الحجة هي أن العلويين أمس رحما بالنبي من العباسيين، فالعباسيون والأمويون جميعهم غاصبون.
وأعمال أبي مسلم تدل على انه كان تواقا إلى الملك، فالتاريخ يروي أنه خطب أمينة بنت علي عمة السفاح والمنصور فردعها وأنه كان في رسائله يقدم اسمه على اسم الخليفة على غير ما جرت به العادة في التراسل بين الخلفاء وغيرهم، وأنه لما أراد القدوم من مرو إلى السفاح كتب إليه يستأذنه في الحج أميرا على الناس سنة ١٣٦هـ فاعتذر إليه بأن أبا جعفر سبقه بالاستئذان ليكون أميرا على الناس سنة ١٣٦ هـ فأعتذر أليه بأن أبا جعفر سبقه بالاستئذان ليكون أميراً على الحجيج، وأمر السفاح أبا جعفر بأن يطلب ذلك فطلبه فوافقه عليه مما أثار اشمئزاز أبي مسلم حتى رووا أنه قال لبعض خاصته:(أنا وجد أبو جعفر عاما يحج فيه غير هذا؟). ودلت سيرته في ذهابه وإيابه من الحج على كثير من مطامعه من وراء ابتغاء كسب القلوب في إظهار القوة والكرم بالأموال، والتقدم في الطريق على أبي جعفر.
ولقد أدى ذلك وغيره إلى حسد أبي جعفر لأبي مسلم وتوجس من مطامعه حتى طلب من السفاح أخيه أن يغتاله وألح في الطلب حتى كاد السفاح ينفذه لولا أنه خاف من جيوش خراسان التي تأتمر بأمر أبي مسلم وتتعصب له فاضطر مرغما إلى الأناة والمهادنة.
وما إن صار المنصور خليفة وفرغ من عمه عبد الله بن علي حين خرج عليه حتى قتل أبا مسلم، وأرسل إلى قواده جوائز فاخرة، وأعطى الجند حتى أمنهم من أن يثوروا للأخذ بثأره.
قامت الدولة العباسية على القوة والدهاء، وكان ديدن رجالها المؤسسين الحذر المفرط من العرب والفرس جميعاً. وضرب هؤلاء بهؤلاء للتمكن من السيطرة على الفريقين، وهذا ما جعل المنصور حين رأى رجاحة الخراسانيين على العرب يصطنع كثيراً من رجال العرب لقيادة الجيوش وولاية الأقطار، ومن هؤلاء عيسى بن موسى ومعن بن زائدة وعمر بن العلاء والهيثم بم معاوية ويزيد بن حاتم ومحمد بن سليمان بن علي وغيرهم.