وكان شعارهم كلمة إبراهيم الإمام لأبي مسلم (أيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله) فكانوا عاملين على توطيد ملكهم بكل الوسائل المحللة والمحرمة.
من أجل ذلك كله حاول العباسيون أن يعظموا الخلافة في قلوب الناس وعيونهم، وقتلوا بالشبهة كل من ظنوا أنه خروجاً على الدولة، أو توهموا أن في وجوده خطراً عليها، فأمر السفاح أبا مسلم بقتل أول وزرائه أبي حفص سلم الخلال الذي كان يلقب وزير آل محمد، وقتل أبو جعفر قائده ومؤسس ملكه أبا مسلم الخراساني، ولما قتل أبو حفص سلمة الخلال استوزر السفاح خالد بن برمك، فكان يكره أن يسمى وزيرا تطيرا من قتل أبي حفص، ثم أعفاه المنصور في خلافته وولى أبا أيوب سليمان ابن مخلد المورياني فكان إذا دعاه المنصور خشيه حتى يشحب لونه وترتعد فرائصه، ثم قتله، وفي رثائه يقول أحد شعراء ذلك العهد:
قد وجدنا الملوك تحسد من اع ... طته طوعا أزمة التدبير
فإذا ما رأوا له النهي والأم ... ر أتوه من بأسهم بنكير
شرب الكأس بعد حفص سليما ... ن ودارت عليه كف المدير
ونجا خالد بن برمكَ منها ... إذ دعوه من بعدها بالأمير
أسوأ العالمين حالا لديهم ... من تسمى بكاتب أو وزير
ولما قتله المنصور بعد تعذيبه وأستصفاء أمواله حبس أخاه وبني أخيه سعيداً ومسعوداً ومخلداً ومحمداً، فكانت وزارته نكبة ماحقة عليه وعلى أهله. ولما جاء المهدي استوزر يعقوب بن داود ١٦١هـ، ثم نكبه وحبسه سنة ١٦٦هـ، فظل في السجن حتى أخرجه الرشيد.
وقد ادعت الدولة العباسية لنفسها حقاً لم تدعه الدولة الأموية إذ أقامت الخلافة على أصل من الدين - كما زعم كثير من الملوك لملكيتهم ذلك في العصور الوسطى الأوربية، فالخليفة مصدر السلطات وأرادته في الأرض ظل إرادة الله في السماء، فهو حامي حمى الدين وله بذلك أن يقضي فيما يشاء ومن يشاء كما يشاء. فحرموا على الناس أن يتناولوا أعمالهم بالنقد أو التجريح كما حرم المنصور الطعن في الخلافة، وطلب من الناس، إذا رأوه يضيق عليهم في الرزق، أن يدعوا الله أن يوسع المنصور عليهم لأنه هو مفتاح أرزاقهم.