كالأسرة والمناضد والكراسي والمدافئ. ولتتخيل معي ليلة من ليالي الشتاء الرطبة في بيت بابه من الورق خال من المواقد اللهم إلا من موقد مملوء بالرماد الذي يعلوه بعض حطم الفحم الملتهب. ولا يمكننا أن نشعر بالدفء إلا إذا اقتربنا من اللهب؛ فصفير الهواء لا ينقطع من خلال شقوق المنافذ، وفي هذه الحال يمكنك أن تغلق النافذة الخشبية الخارجية، ولكن سرعان ما يسود الغرفة بذلك ظلام حالك. ومع ذلك يظل الهواء البارد نافذاً إلى الغرفة من خلال أرضيتها. ولكي تدفأ فعليك أما أن تنام أو تظل في حركة مستمرة؛ ولكن الإنسان لا يستطيع أن يظل في فراشه طويلا، وعلى ذلك يصبح الرد الطبيعي هو العمل. وقد يكون هذا هو أحد الأسباب التي يعزى إليها نشاط اليابانيين الدائم، فخير للياباني أن يحرث ويزرع في الحقول الملائ بالطين من أن يستكن في منزله، ولكن لسوء الحظ ليس لديهم حقول يزرعونها. وإن النتيجة الطبيعية لهذه الحياة الصعبة أن العسكري الياباني أصبح لا يحس في الميدان ذلك الإرهاق والضيق اللذين يحسهما الجنود الذين تعودوا حياة أرقى في مستواها.
وفضلا عن ذلك فإن اليابان يعوزها تقدير الحياة البشرية؛ فنحن نؤمن بأن نعيش لوطننا ولكن اليابانيين يؤمنون بالموت في سبيل وطنهم، فهم يتعلمون منذ نعومة أظفارهم بأن الفرد لا قيمة له. ولا يؤمنون بمذهب الفردية بل بمذهب الجماعة، فاليابانيون يميلون إلى العمل الجمعي وقد برعوا فيه. ولا يحكم اليابان دكتاتور بل يحكمها جماعة من الأفراد، وإمبراطورها يمثل رمزاً مقدساً. وإذا ما علا صيت أحد أفراد الحكومة أو علت منزلته فانه كثيراً ما يغتال. ويستذكر الطلبة دروسهم جماعة. وهناك مثل ياباني يقول:(إن يابانياً واحداً غبي واثنين غبيان)، وتتكتل جيوش اليابانيين جماعات، وهذه أحد الأسباب التي يعزى إليها بطولتهم في الحروب. وتبدو مهارة الطيار الياباني عندما يعمل مع سربه ولكنه حينما ينفرد يفقد ميزته كطيار ولكنه قلما ينفرد في حرب الجو أو في البحر والبر لأنها جميعاً تتطلب العمل الجمعي.
والانتحار شائع بينهم بكثرة، لأن الفرد يعتقد أنه لا يستحق وجوده أو يستأهل حياته إذا لم يحتفظ بنفسه كريمة بين أقرانه. وإن من المبالغة أن نذكر أن الجندي الياباني يرغب في الموت، بل أنه يفضل أن يعيش، ولكنه قد أشرب دمه فلسفة الموت تماماً. ولم يعلم حكمة