جوتييه) من المرأة وشخصيتها وجمالها في قصته (مدموازيل دي مويان) ولكنه وقف أمام الجيوكانده وقفة العابد المتأمل وقال: (من أي كوكب وفد ذلك الكائن الغريب ذو النظرة التي تعد باللذات المجهولة وذو التعبير القدسي السخرية؟ إن لوناردو يضفي على أشخاصه طابع سمو يجعلنا نحس بالارتباك في حضرتهم. إن الضوء الخافت في عينيها العميقتين يخفي أسراراً محرمة على الغافلين ولغة شفتيها الساخرتين تلائم الآلهة الذين يعرفون كل شيء ويحتقرون في رفق غلظة البشر.
(أي إصرار مقلق وأية سخرية مترفعة في هاتين العينين الداكنتين وهاتين الشفتين المتموجتين كقوس الحب بعد إطلاق سهمه).
(إن جبينها يشع ذلك الصفو الذي تحسه امرأة موقنة أنها أبدية الجمال، وأنها أبعد شأوا من كل مثل الشعراء والفنانين).
وقال عنها الناقد الإنجليزي ولتر باتر ما معناه (إن في وجهها خلاصة أفكار وتجارب الدنيا: فيه حيوانية اليونان، وشهوانية الرومان، وصوفية العصور الوسطى وما فيها من طموح روحي وعشق خيالي، وفيه ردة الوثنية وخطايا آل بورجيا. أنها أوغل في القدم من الصخور التي تجلس بينها. وكأنها قد ماتت وبعثت عدة مرات وعرفت أسرار القبر وغاصت في البحار العميقة، واحتفظت لنفسها بسرها، وساحت مع تجار الشرق سعياٍ وراء المنسوجات الغريبة. ولقد كانت - مثل ليدا - أما لهيلين الطروادية، ومثل القديسة آن أما لمريم. ولم يكن كل هذا لديها إلا نغمات القيثار والناي وما فعلته بقسماتها وأجفانها ويديها)
تلك هي قصة الجيوكاندة. فيالها من درس احفل بالمعاني من أضخم الكتب! أنها تجعلنا نؤمن بعظمة الإنسان ومجده إذا خلص من الدنايا وشغل نفسه بالمعاني السامية التي تحفل بها الدنيا. . . أنها تعلمنا إلى أي آماد تستطيع أن ترقى المرأة. . . من منا يعيش مع (موناليزا) أياماً أو ساعات ولا يتبدل مثله الأعلى في المرأة والجمال: أنها تسمو بأفكارنا وعواطفنا وتدخل على قلوبنا الفرح وتهز من قوى الحياة في نفوسنا ما يجعلنا نستمر في طعم العيش ونمجد قوى الحياة، وما يلبث أن يهتف في نفوسنا هاتف يقول: لم لا نلتمس في الحياة نفسها ما عثرنا عليه في الفن؟ وهكذا يوجه الفن أبصارنا إلى أعلى ويعلمنا الإحساس بالجمال والتماسه فلا نقنع بما تقنع به النفوس الخاملة المستغلقة.