إلى الانغمار في تيار السياسة، انغمارا نبه من ذكره ورفع من شأنه، وكشف للناس عن ينبوع ثر من عبقريته ومواهبه. وقد اعتقل الفقيد بين من اعتقلوا في حوادث عام ١٩١٦. ثم نفى إلى مالطة في ركاب الزعيم الخالد سعد زغلول، وكان هذا الحادث أنصع نقطة في صفحة حياته، كما كان يقول - غير مرة - عن صدق ويقين، ولما استقرت الأمور في نصابها وعاد إلى وطنه، كان أحد أولئك الذين لم يلتمسوا من وراء جهادهم الثروة أو الجاه، وإنما اندمج في سلك التعليم يؤدي رسالته ساكناً متواضعاً، حتى انتهى به المطاف بعد سنين إلى نظارة مدرسة أولية في بلدته جرجا.
وهنا تبدأ صفحة أخرى من حياته كان فيها رجلا (اجتماعياً) من الطراز الأول؛ فما تأسس ببلده مشروع، ولا دعي إلى مصلحة عامة، إلا كان أول ملب وأسبق مؤيد ومؤازر. خطب في مئات الحفلات، ورثى وكرم، وودع ووعظ، وصنع على يده وعينه جيلا من الشباب كلهم يسلك نهجه ويأتم بهداه.
وكان شعر الشيخ ثابت متوسطاً في الجودة، ولكنه كان يضفي عليه الجمال كله يحسن إلقائه وتدفق بيانه. وكان إذا اعتلى المنبر شاعراً أو ناثراً، يهدر هدير الفنيق، ويزأر زئير الأسد، فترجف حوله القلوب، وتشد إليه المسامع والأبصار. كان رجلا فحلا في قوله وعمله وأخلاقه. . . بل وفي منظره، فهو ابن الثورة ورييبها ومذكي ضرامها حقاً. وكان - على هذا - رقيق العاطفة حلو الدعابة بارع النكتة، سمحاً نقي السريرة لا يكن لمخلوق عداوة؛ ولقد شهدته غير مرة ينشج بالبكاء في مواقف الرثاء، بل وفي بعض مواقف التوديع!
ومن شعره الذي يدور على الألسنة منذ عهد الثورة قصيدته التي يقول في مطلعها:
وطني عزيز لا أروم سواه ... مهما تسوَّرت العدى مبناه
ولا تتسع هذه العجالة لإيراد شيء من كلامه، وإنما نختمها بالإشارة إلى مبلغ نشاطه حتى في آخر لحظات حياته؛ فقد كان رحمه الله - على أصابته بالفالج الجزئي منذ سنوات - يشغل منصب النظارة في مدرسة أولية كما ذكرنا، وكان وكيلا ومدرساً بالمعهد الديني المنشأ حديثاً في جرجا، ومدرساً بجمعية المحافظة على القرآن الكريم، ورئيساً لرابطة التعليم الأولى والإلزامي، ورئيساً لجمعيتي نهضة القرى ومنع المسكرات بجرجا، والريب أن جميع هذه المنشآت يكاد يرجع إليه وحده فضل إنشائها!