للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في حديثه عن الصفات الفنية للشعر السياسي في صدر الإسلام بقوله: (أما عبارات الشعر وصياغته الفنية فقد اضطربت بين القوة والضعف لأن الشعراء الذين شغلوا هذه الفترة مخضرمون أو مغمورون - والأولون تغير عليهم الجو فلم يستطيعوا مجاراته دائماً، ومنهم من انصرف عن الشعر إلى القرآن، والآخرون قالوه قطعاً في مناسبات شتى، على أن تأثير القرآن تأخر إلى الجيل الجديد). أما كيف كان ذلك فلا يجيب الأستاذ عنه بزعم ولا يقين.

وأستميح القارئ أن يعلم الثالثة والأخيرة ختام فصل طويل عن شعر الخوارج: (. . . وكان جديداً في أساليبه الرقيقة السلسة الجزلة التي تعتمد على القرآن الحكيم كما رأينا قبلا لعمران ابن حطان حين قال:

فنحن بنو الإسلام والله ربنا ... وأولى عباد الله بالله من شكر

مضمناً قوله تعلى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وقول عيسى ابن فاتك الحبطي:

هم الفئة القليلة غير شك ... على الفئة الكثيرة ينصرونا

فهذا معنى قوله تعالى: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)

وإذا كان هذان البيتان - في ذوق المؤلف - جديدين في أسلوبهما (الرقيق السلس الجزل)، فقد فهمنا لماذا يتنكب الحديث عن الجانب الفني ويقتضبه في عبارات مرقمة؟! وما أيسر أن يقول المرء: هذا جديد، وهذا قديم؟ وما أيسر أن يأخذ من هذه الأحكام الشائعة فيقرر أن الأدب الجاهلي أدب الفطرة السليمة وأن أدب الشيعة أدب حزين، وأدب الخوارج أدب رصين. ذلك كله شئ ميسور، ولكن مناقشة هذه الآراء وبسط هذه الأحكام ومعالجتها بالذوق المرهف والإحساس اليقظ فشيء لا يتيسر لكثير من المؤلفين. واقرأ له قوله في (تلخيص) مذهب ابن قيس الرقيات تجد مصداق ما نقوله: (٢) وبجانب ذلك تسود شعره السياسي عاطفة حزينة تشبه عاطفة الشيعة ولكنها لا تماثلها، إذ كان حزنه على قومه وعصبته العامة، وكان حزنهم على أنفسهم وعصبتهم الخاصة). فقد حكم المنطق حين كان يجب أن يحكم الذوق، فأسلمته مقدماته الخاطئة إلى نتيجة خاطئة؛ ولو قد قارن بين شعر ابن قيس وشعر الشيعة مقارنة فنية صحيحة لأدرك أن فن ابن قيس يفيض بالحزن الصادق واللوعة المريرة في رثائه صرعى وقعة الحرة، وفي بكائه أمر قريش وقد تفرق، ولأدرك أنه في

<<  <  ج:
ص:  >  >>