للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك يفوق بكثير شعراء الشيعة. ولكنه المنطق، والمنطق الجاف!

فليس الشعر إحساساً نفسياً فحسب، ولكنه تعبير فني عن هذا الإحساس، وقد لا يكون الشاعر أرهف الناس شعوراً ولا أعمقهم حساً، ولكنه بموهبته يستطيع أن يحمل الألفاظ من الإيحاء ما لا يمكن أن يحملها إياه من هم دونه في الملكة والبراعة وإن كانت قلوبهم تتفتت من الحزن! فلبيك الشيعة أنفسهم، وليبك ابن قيس قومه، فذلك لا ينقص ولا يرجح في ميزان الفن، وإنما يكون الترجيح بمقدار ما وفق الشاعر إليه من الإبانة عن فكره وعاطفته، وما بثه في فنه من صور بيانية وعبارات موحية. وليس السبيل إلى هذا الميزان الصادق أن يقول المؤلف في الحكم على فن ابن قيس: (يمتاز أسلوبه بالجزالة فلم يكن رذلا ولا سفسافاً على الرغم من إقامته بتكريت ومن طعن اللغويين على شعره ورفضهم الاحتجاج به). فذلك أشبه بهذه العبارات التي سئمنا سماعها من قولهم: (كثير الماء، مشرق الديباجة، حسن السبك).

لقد رفض اللغويون الاحتجاج بشعر الشاعر، فقد كان في شعره إذن خروج على ما ألفه اللغويون من الأساليب، ورفضت أنت حكم هؤلاء اللغويين؛ أفما كان لنا أن نسمع في إسهاب رأيك ورأى هؤلاء؟! وما الذي أخذوه عليه، وما الذي أعجبك منه؟ ولكن الأستاذ يكتب عن الفن في عبارات مرقمة!

ولما كان المؤلف أستاذاً في الجامعة كما بدأنا القول، فذلك يمضي بنا إلى الحديث عن دراسة الأدب العربي في كلية الآداب، فالكتاب تنقيح لما ألقى المؤلف من محاضرات في هذا الموضوع

والأدب في قسم اللغة العربية بكلية الآداب يدرس على أنه وثائق تاريخية تصور ما كان في المجتمع العربي من أحداث. لذلك يختار الأساتذة أحفل الموضوعات بهذه النواحي التاريخية من أمثال الشعر السياسي ونقائض جرير والفرزدق، ويغفلون موضوعات لا تقل عنها شأناً وخطراً، ولعلها تفوقها بياناً وفناً، وتفتح للحديث عن مشاكل الشعر الفنية آفاقاً أرحب وأوسع. غاية الجهد أن يقسم الأستاذ النقيضة إلى أغراض: نسيب وفخر وهجاء. ثم يتحدث عما في هذه الأغراض من معان ويقارن بينها وبين ما ورد في القصيدة المناقضة، كل ذلك في منطق جاف، ونظرة عقلية محضة، وعبارات مرقمة، لا يعرض لصور بيانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>