والشجر نبات، ولكن سنة الحياة واحدة، وقانونها لا يختلف، وهو واحد في كل مظاهر الحياة على السواء، وما يصير به أقوى وأزكى، يصير بمثله الحيوان - ونحن منه - أقدر على معاناة الحياة وأصلح لها وأنجب. وليس مما يصح في الإفهام أن نكون في القرن العشرين، ونقنع بأن نعيش بعقول القرون الخالية. وأخلق بهذا الكسل أن يحيلنا خلقاً - متخلفاً من الأزمنة البائدة، وأن يجعلنا غير صالحين للزمان الذي خرجنا فيه
وأنا أعرف أن هذا مشقة عظيمة، ولكن الثواب على قدرها، والحياة نفسها لا متعة ولا نزهة، بل كد ونضال وكفاح وما يبلغ المرء في دنياه غاية أو يدرك شيئاً إلا بالكفاح وعرق الجبين المتفصد، فلماذا نستثني الأدب ونراه أهون شأناً وأيسر مطلباً من أن يحتاج إلى عناء؟
وليعذرني القراء الأفاضل إذا رأوني ألح على شبابنا أن يعكفوا على التحصيل ويجدوا فيه ويشقوا أيضاً، فقد رأيت شباناً كثرين في مصر أكبر ظني أن لهم أنداداً في غيرها يستثقلون الطلب ويستطيلون مدته ويستكثرون الجهد الذي يقتضيه ويستخفون بالأمر كله ويحاولون أن يرقوا بغير سلم، وأن يبلغوا الغاية بدون أداة أو وسيلة، فلا يأتون إلا بأغث الغثاثة وأسخف السخف، ثم يروحون يتذمرون ويجأرون بالشكوى ويزعمون أنهم مغبونون مغموطو الأقدار، وأن الشيوخ يأخذون عليهم متوجههم ويعترضون سبيلهم حسداً، إلى آخر هذا الهراء. وتقول لهم: إن كل علم وفن مثل الطب والهندسة والتصوير والموسيقى، إلى آخر ذلك يحتاج إلى درس طويل وتحصيل واف، فأن الملكة وحدها لا تكفي، والاستعداد بمجرده لا غناء له، ما تؤازره المعرفة الصحيحة، فلماذا يعدون الأدب بدعاً يرونه مما يمكن الاستغناء فيه عن الآلة والأداة؟ فلا يقتنعون، أو على الأصح، لا يستطيعون أن يرضوا أنفسهم ويوطنوها على احتمال المشقة
وأوثر أن أكون صريحاً فأقول: إن هذا تطر لا يعجبني، وكسل لا أراه بشيراً بخير، فيحسن أن أورد طائفة من الأمثلة تبين أي مشقة احتملنا، وأي عناء صبرنا عليه، وأي جهد تكلفناه في حداثتنا وصدر حياتنا قبل أن نتطلع إلى منازل الأدباء. وقبل ذلك أقول: إن مما نفعني وأغراني برياضة نفسي على التشدد والتجلد كلمة قرأتها ومنظر رأيته، فأما الكلمة، فقول كوييت في كتابة (نصيحة إلى الشبان) إن على الشباب إذا أراد أن يكون